يقول العياشي، بل ظهر وكأنه شخص تخلى تماما عن هذه العلوم (علوم الظاهر والمعقول) إلى الزهد والتصوف. وقد كان ذوق العصر طبعا يحبذ الفكون في مرحلته الثانية وينفر منه في مرحلته الأولى.
وبعد فما أجمل كلام الفكون نفسه وهو يفرق بين المتصوف الحقيقي و (المتصوف) الدجال، إذ يقول:(والميزان الأعدل في ذلك أن تنظر إلى المرء وما هو عليه من الطريق القويم والصراط المستقيم في اتباع السنة، قولا وفعلا وعملا، فما كان فهو ممن يجب الاعتقاد فيه وما لا فلا (١) ولا يهم بعد ذلك إن درس كل العلوم أو بعضها. ولعل هذه النقطة ستزداد وضوحا في الفقرة التالية.
[٤ - بين النحو والأدب]
عرفنا أن الفكون درس مختلف العلوم المعروفة في عصره، ولكنه اختص منها بعلم النحو. ويبدو أن المشتغلين بهذا العلم عندئذ قليلون لأنه علم صعب وأساتذته غير متوفرين، ولأنه يعتبر عند المعاصرين من العلوم التي تبعد الإنسان عن الله، وهم إنما يدرسون علوم الفقه والتصوف والكلام ونحوها ولكن اختيار الفكون لهذا العلم كان محض صدفة. فهو يخبرنا حكاية عن جده هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة ومفادها أنه رأى في المنام جده عبد الكريم الفكون يناوله ورقة قائلا له: اقرأ، فلما