يحتمله اللفظ ولو بطريق المجاز، وليس فيه تشبيه الخالق بخلقه. فقوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} تأويله: قدرة الله فوق قدرتهم. وقوله:{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} تأويله: واصنع الفلك برعايتنا وإحاطتنا. وقوله:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ....} تأويله: أنه سبحانه مع كل من يتناجون بعلمه وإحاطته وهكذا.
ومنشأ هذا الخلاف في قوله تعالى في شأن المتشابهات:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} ، فمن جعل الوقف على لفظ الجلالة قال: لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله، فتؤمن به ونفوض علمه له ولا نبحث في تأويله، ومن جعل الوقف على:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} قال: "لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم"، فهم يعلمون تأويله بإرادة معنى يحتمله اللفظ ويتفق وتنزيه الخالق عن مشابهة خلقه.
والذي يظهر لي أنه الحق هو تفسير المتشابهات في القرآن بالمشتبهات أي المحتملات التي يكون احتمالها مجالا للاختلاف في تأويلها، وهي تقابل المحكمات التي أحكمت عباراتها وحفظت من الاشتباه واحتمال التأويل. فعلى هذا ليس في القرآن ما لا سبيل إلى علم المراد منه، وإنما فيه ألفاظ تدل على المراد منها نفسها من غير اشتباه ولا احتمال للتأويل والاختلاف، وفيه ألفاظ تدل على معنى ويحتمل أن يراد منها غيره، وهذا مجال البحث والاجتهاد لإزالة الاحتمال وتعيين المراد، وفيه ألفاظ لا تدل على المراد منها بنفسها، ولكن أحاطها الشارع بقرائن أو ألحقها ببيان يفسر ما أراد منها؛ لأن الله أنزل القرآن للتدبر والذكر فكيف يكون في آياته ما لا سبيل إلى فهمه مطلقًا: والمقطعات في أوائل بعض السور ذكرت للدلالة على أن القرآن الذي أعجز الناس هو مكون من حروفهم، وليس من حروف أخرى غريبة عنهم، ولهذا يرى أن أكثر السور المبدوءة بهذه المقطعات فيها ذكر الكتاب بعد سرد هذه الحروف.