"والمقصد العام للشارع من تشريعه الأحكام هو تحقيق مصالح الناس بكفالة ضرورياتهم، وتوفير حاجتهم وتحسينياتهم.
فكل حكم شرعي ما قصد به إلا واحد من هذه الثلاثة التي تتكون منها مصالح الناس.
ولا يراعى تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بحاجي، لا يراعي حاجي ولا تحسيني إذا كان في مراعاة أحدهما إخلال بضروري".
هذه القاعدة الأولى بينت المقصد العام للشارع من تشريع الأحكام الشرعية؛ سواء أكانت تكليفية أم وضعية. وبينت مراتب الأحكام باعتبار مقاصدها. ومعرفة المقصد العام للشارع من التشريع من أهم ما يستعان به على فهم نصوصه حق فهمها، وتطبيقها على الوقائع واستنباط الحكم فيما لا نص فيه.
لأن دلالة اللفظ والعبارات على المعاني، قد تحتمل عدة وجوه. والذي يرجح واحدا من هذه الوجوه هو الوقوف على مقصد الشارع؛ ولأن بعض النصوص قد تتعارض ظواهرها. والذي يرفع هذا التعارض ويوفق بينها أو يرجح أحدها هو الوقوف على مقصد الشارع؛ ولأن كثيرا من الوقائع التي تحدث ربما لا تتناولها عبارات النصوص. وتمس الحاجة إلى معرفة أحكامه بأي دليل من الأدلة الشرعية، والهادي في هذا الاستدلال هو معرفة مقصد الشارع.
ولهذا يعني رجال السلطة التشريعية في الحكومات الحاضرة بوضع المذكرات التفسيرية، التي تبين المقصد من تشريع القانون بوجه عام، وتبين المقصد الخاص من كل مادة من مواده. وهذه المذكرات التفسيرية وجميع البحوث والمناقشات التي تبودلت أثناء تحضير القانون وتشريعه هي عون رجال القضاء على فهم القانون، وتطبيقه بنصوصه وروحه ومعقوله.
وكذلك نصوص الأحكام الشرعية لا تفهم على وجهها الصحيح إلا إذا عرف المقصد العام للشارع من تشريع الأحكام. وعرفت الوقائع الجزئية التي من أجلها نزلت الأحكام القرآنية، أو وردت السنة القولية أو العملية.