فالمقصد العام للشارع من التشريع هو المبين في هذه القاعدة الأصولية الأولى، وأما الوقائع الجزئية التي شرعت لها الأحكام فهي مبينة في كتب التفسير وأسباب النزول وصحاح السنة.
ومنطوق هذه القاعدة: أن المقصد العام للشارع من تشريع الأحكام هو تحقيق مصالح الناس في هذه الحياة، بجلب النفع لهم ودفع الضرر عنهم؛ لأن مصالح الناس في هذه الحياة تتكون من أمور ضرورية لهم، وأمور حاجية وأمور تحسينية، فإذا توافرت لهم ضرورياتهم وحاجياتهم وتحسينياتهم فقد تحققت مصالحهم، والشارع الإسلامي شرع أحكاما في مختلف أبواب أعمال الإنسان لتحقيق أمهات الضروريات والحاجيات والتحسينيات للأفراد والجماعات، وما أهمل ضروريا ولا حاجيا ولا تحسينيا من غير أن يشرع حكما لتحقيقه وحفظه، وما شرع حكما إلا لإيجاد وحفظ واحد من هذه الثلاثة، فهو ما شرع حكما إلا لتحقيق مصالح الناس، وما أهم مصلحة اقتضتها حال الناس لم يشرع لها حكما.
أما البرهان على أن مصالح الناس لا تعدو هذه الأنواع الثلاثة فهو الحس والمشاهدة؛ لأن كل فرد أو مجتمع تتكون مصلحتهم من أمور ضرورية وأمور حاجية وأمور كمالية، مثلا: الضروري لسكنى الإنسان مأوى يقبه حر الشمس وزمهرير البرد ولو مغارة في الجبل. والحاجي أن يكون المسكن مما يسهل فيه السكنى بأن تكون له نوافذ تفتح وتغلق حسب الحاجة، والتحسيني أن يجمل ويؤثث وتوفر فيه وسائل الراحة، فإذا توافر له ذلك فقد تحققت مصلحته في سكناه، وهكذا طعام الإنسان ولباسه وكل شأن من شئون حياته، تتحقق مصلحته في سكناه، وهكذا طعام الإنسان ولباسه، وكل شأن من شئون حياته، تتحقق مصلحته فيه بتوافر هذه الأنواع الثلاثة له. ومثل الفرد المجتمع، فإذا توافر لأفراده ما يكفل إيجاد وحفظ ضرورياتهم وحاجيتهم وتحسيناتهم، فقد يتحقق لهم ما يكفل لهم مصالحهم.
أما البرهان على أن كل حكم في الإسلام إنما شرع لإيجاد واحد من هذه الأمور الثلاثة، وحفظه فهو استقراء الأحكام الشرعية الكلية، والجزئية في مختلف الوقائع والأبواب، واستقراء العلل والحكم التشريعية التي قرنها الشارع بكثير من الأحكام.