نصوص القرآن والسنة باللغة العربية. وفهم الأحكام منها إنما يكون فهما صحيح إذا روعي فيه مقتضى الأساليب في اللغة العربية وطرق الدلالة فيها، وما تدل عليه ألفاظها مفردة ومركبة، ولهذا عنى علماء أصول الفقه الإسلامي، باستقراء الأساليب العربية وعباراتها ومفرداتها، واستمدوا من هذا الاستقراء ومما قرره علماء هذه اللغة قواعد وضوابط، يتوصل بمراعاتها إلى فهم الأحكام من النصوص الشرعية فهما صحيحًا، يطابق ما يفهمه منها العربي الذي وردت هذه النصوص بلغته، ويتوصل بها أيضا إلى إيضاح ما فيه خفاء من النصوص، ورفع ما يقد يظهر بينها من تعارض، وتأويل ما دل دليل على تأويله، وغير هذا مما يتعلق باستفادة الأحكام من نصوصها.
وهذه القواعد والضوابط اللغوية مستمدة من استقراء الأساليب العربية، ومما قرره أئمة اللغة العربية، وليست لها صبغة دينية. فهي قواعد لفهم العبارات فهما صحيحًا، ولهذا يتوصل بها أيضا إلى فهم مواد أي قانون وضع باللغة العربية؛ لأن مواد القوانين الوضعية المصوغة باللغة العربية، هي مثل النصوص الشرعية في أنها جميعها عبارات عربية مكونة من مفردات عربية، ومصوغة في الأسلوب العربي، ففهم المعاني والأحكام منها يجب أن يسلك فيه السبيل العربي في فهم العبارات والمفردات والأساليب.
وليس من السائغ قانون ولا عقلا أن يسن الشارع قانونا من القوانين بلغة، ويتطلب من الأمة أن تفهم ألفاظ مواده وعباراتها، على مقتضى أساليب وأوضاع لغة أخرى؛ لأن شرط صحة التكليف بالقانون قدرة المكلفين به على فهمه. ولهذا يوضع القانون في الأمة بلسانها، وبلغة جمهور أفرادها، ليكون في استطاعتهم فهم الأحكام منه بأساليب الفهم في لغتهم، ولا يكون القانون حجة على الأمة إذا وضع بغير لغتها أو كان طريق فهمه غير طريق فهم اللغة التي وضع بها، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} .
وعلى هذا فالقواعد والضوابط التي قررها علماء أصول الفقه الإسلامي في طرق دلالة الألفاظ على المعاني، وفيما يفيد العموم من الصيغ، وفيما يدل عليه العام والمطلق والمشترك، وفيما يحتمل التأويل وما لا يحتمل التأويل، وفي أن