لا خلاف بين علماء المسلمين، في أن مصدر الأحكام الشرعية لجميع أفعال المكلفين هو الله سبحانه، سواء أظهر حكمه في فعل المكلف مباشرة من النصوص التي أوحى بها إلى رسوله، أم اهتدى المجتهدون إلى حكمه في فعل المكلف، بواسطة الدلائل، والأمارات التي شرعها لاستنباط أحكامه، ولهذا اتفقت كلمتهم على تعريف الحكم الشرعي بأنه: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين طلبا أو تخييرا أو وضعا. واشتهر من أصولهم "لا حكم إلا لله"، وهذا مصداق قوله سبحانه:{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} .
وإنما اختلف علماء المسلمين في أن أحكام الله في أفعال المكلفين، هل يمكن للعقل أن يعرفها بنفسه من غير وساطة رسل الله، وكتبه بحيث إن من لم تبلغه دعوة رسول يستطيع أن يعرف حكم الله في أفعاله بعقله أم لا يمكن للعقل أن يعرف حكم الله في أفعال المكلفين بنفسه من غير وساطة رسل الله وكتبه؟ فلا خلاف في أن الحاكم هو الله، وإنما الخلاف فيما يعرف به حكم الله.
ولعلماء المسلمين في هذا الخلاف مذاهب ثلاثة:
١- مذهب الأشاعرة:
أتباع أبي الحسن الأشعري، وهو أنه: لا يمكن للعقل أن يعرف حكم الله في أفعال المكلفين إلا بواسطة رسله وكتبه؛ لأن العقول تختلف اختلافا بينا في الأفعال، فبعض العقول يستحسن بعض الأفعال، وبعضها يستقبحها، بل عقل الشخص الواحد يختلف في الفعل الواحد، وكثيرا ما يغلب الهوى على العقل فكون التحسين أو التقبيح بناء على الهوى، فعلى هذا لا يمكن أن يقال: ما رآه العقل حسنا فهو حسن عند الله ومطلوب لله فاعله، ويثاب عليه من الله فاعله، وما رآه العقل قبيحا فهو قبيح عند الله ومطلوب لله تركه، ويعاقب من الله فاعله.
وأساس هذا المذهب؛ أن الحسن من أفعال المكلفين هو ما دل الشارع على أنه حسن بإباحته، أو طلب فعله، والقبيح هو ما دل الشارع على أنه قبيح بطلبه