تركه، وليس الحسن ما رآه العقل حسنا ولا القبيح ما رآه العقل قبيحًا. فمقياس الحسن والقبح في هذا المذهب هو الشرع لا العقل، وهذا يتفق وما ذهب إليه بعض علماء الأخلاق من أن مقياس الخير والشر هو القانون، فما أوجبه القانون أو أباحه فهو خير، وما حظره فهو شر.
وعلى هذا المذهب لا يكون الإنسان مكلفًا من الله بفعل شيء، أو ترك شيء إلا إذا بلغته دعوة الرسول، وما شرعه الله. ولا يثاب أحد على فعل شيء ولا يعاقب على ترك أو فعل، إلا إذا علم من طريق رسل الله ما يجب عليه فعله وما يجب عليه تركه، فمن عاش في عزلة تامة بحيث لم تبلغه دعوة رسول، ولا شرعه فهو غير مكلف من الله بشيء ولا يستحق ثوابًا وعقابًا. وأهل الفترة -وهم من عاشوا بعد موت رسول الله وقبل مبعث رسول- غير مكلفين بشيء ولا يستحقون ثوابا ولا عقابا. ويؤيد المذهب قوله سبحانه:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} .
٢- مذهب المعتزلة:
أتباع واصل بن عطاء وهو أنه يمكن أن يعرف حكم الله في أفعال المكلفين بنفسه من غير وساطة رسله وكتبه؛ لأن كل فعل من أفعال المكلفين فيه صفات وما يترتب عليه من نفع أو ضرر أن يحكم بأنه حسن أو قبيح، وحكم الله سبحانه على الأفعال هو على حسب ما تدركه العقول من نفعها أو ضرها، فهو سبحانه يطالب المكلفين بفعل ما فيه نفعهم حسب إدراك عقولهم؛ وبترك ما فيه ضررهم حسب إدراك عقولهم، فما رآه العقل حسنا فهو مطلوب لله ويثاب من الله فاعله، وما رآه العقل قبيحا فهو مطلوب لله تركه ويعاقب من الله فاعله.
وأساس هذا المذهب أن الحسن من الأفعال ما رآه العقل حسنا لما فيه من نفع، والقبيح من الأفعال ما رآه العقل قبيحا لما فيه من الضرر، وأن أحكام الله في أفعال المكلفين هي على وفق ماتدركه عقولهم فيها من حسن أو قبح، وهذا المذهب يتفق، وما ذهب إليه أكثر علماء الأخلاق من أن مقياس الخير والشر هو ما يدرك في الفعل من نفع أو ضرر لأكبر مجموعة من الناس يصل إليهم أثر الفعل.
وعلى هذا المذهب فممن لم تبلغهم دعوة الرسل، ولا شرائعهم فهم مكلفون من الله بفعل ما يهديهم عقلهم إلى أنه حسن ويثابون من الله على فعله، وبترك ما يهديهم عقلهم إلى أنه قبيح ويعاقبون من الله على فعله. وأصحاب هذا المذهب