يؤيدونه بأنه لا يستطيع عاقل أن ينكر أن كل فعل فيه خواص، وله آثار تجعله حسنا أو قبيحا. ومن الذي لا يدرك بعقله أن الشكر على النعمة والصدق والوفاء، والأمانة كل منها حسن، وأن ضد كل منها قبيح. ولا يستطيع عاقل أن ينكر أن الله ما شرع أحكامه في أفعال المكلفين إلا بناء على ما فيها من نفع أو ضرر، ويقولون: إن من بلغتهم شرائع الله مكلفون من الله بما تقضي به هذه الشرائع ومن لم تبلغهم شرائع الله مكلفون من الله بما تهديهم إليه عقولهم، فعليهم أن يفعلوا ما تستحسنه عقولهم، وأن يتركوا ما تستقبحه عقولهم.
٣- مذهب الماتريدية:
أتباع أبي منصور الماتريدي، وهذا المذهب وسط معتدل وهو الراجح في رأيى، وخلاصته أن أفعال المكلفين فيها خواص ولها آثار تقتضي حسنها أو قبحها، وأن العقل بناء على هذه الخواص والآثار يستطيع الحكم بأن هذا الفعل حسن وهذا الفعل قبيح، وما رآه العقل السليم حسنا فهو حسن، وما رآه العقل السليم قبيحا فهو قبيح. ولكن لا يلزم أن تكون أحكام الله في أفعال المكلفين على وفق ما تدركه عقولنا فيها من حسن أو قبح؛ لأن العقول مهما نضجت قد تخطئ؛ ولأن بعض الأفعال مهما تشتبه فيه العقول فلا تلازم بين أحكام الله وما تدركه العقول، وعلى هذا لا سبيل إلى معرفة حكم الله إلا بواسطة رسله. فهؤلاء وافقوا المعتزلة في أن حسن الأفعال، وقبحها مما تدركه العقول بناء على ماتدركه من نفعها أو ضررها، وخالفوهم في أن حكم الله لا بد أن يكون على وفق حكم العقل، وفي أن ما أدرك العقل حسنه هو مطلوب لله فعله، وما أدرك العقل قبحه فهو مطلوب لله تركه. ووافقوا الأشاعرة في أنه لا يعرف حكم الله إلا بواسطة رسله وكتبه. وخالفوهم في أن الحسن والقبح للأفعال شرعيان لا عقليان. وفي أن الفعل لا يكون حسنا إلا بطلب الله فعله. ولا يكون قبيحًا إلا بطلب الله تركه؛ لأن هذا ظاهر البطلان. فإن أمهات الفضائل يدرك العقل حسنها لما فيها من نفع، وأمهات الرذائل يدرك العقل قبحها لما فيها من ضرر ولو لم يرد بهذا شرع.
وهذا الخلاف لا يترتب عليه أثر إلا بالنسبة لمن لم تبلغهم شرائع الرسل، وأما من بلغتهم شرائع الرسل، فمقياس الحسن والقبح للأفعال بالنسبة لهم ما ورد في شريعتهم لا ما تدركه عقولهم بالاتفاق. فما أمر به الشارع فهو حسن ومطلوب فعله ويثاب فاعله. وما نهى عنه الشارع فهو قبيح ومطلوب تركه ويعاقب فاعله.