للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القاعدة الثانية: في مفهوم المخالفة]

"النص الشرعي لا دلالة له على حكم في مفهوم المخالفة".

إذا دل النص الشرعي على حكم في محل مقيدًا بقيد، بأن كان موصوفا بوصف أو مشروطا بشرط أو مغيا بغاية أو محددا بعدد، يكون حكم النص في المحل الذي تحقق فيه القيد هو منطوق النص، وأما حكم المحل الذي انتفى عنه القيد فهو مفهومه المخالف.

والمعنى الإجمالي لهذه القاعدة؛ أن النص الشرعي لا دلالة له على حكم ما في المفهوم المخالف لمنطوقه؛ لأنه ليس من مدلولاته بطريق من طرق الدلالة لأربع، بل يعرف حكم المفهوم المخالف المسكوت عنه بأي دليل آخر من الأدلة الشرعية التي منها الإباحة الأصلية.

فقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} منطوقه تحريم الدم المسفوح، وأما تحليل الدم غير المسفوح، فهو مفهوم مخالف لمنطوقه ولا دلالة لهذه الآية عليه، بل يعرف بالإباحة الأصلية أو بأي دليل شرعي، مثل قوله الرسول: "أحلت لكم ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال".

وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} منطوقه أن من لم يستطع زواج الحرائر يباح له أن يتزوج الإماء المؤمنات، وأما من استطاع زواج الحرائر، فلا دلالة لهذه الآية على حكمه، وكذلك الإماء غير المؤمنات لا دلالة لهذه الآية على حكم فيهن.

أما الشرح التفصيلي لهذه القاعدة فيقتضي بيان أنواع مفهوم المخالفة؛ لأن هذا المفهوم يتنوع بحسب القيد الذي قيد به منطوق النص إلى خمسة أنواع:

١- مفهوم الوصف: كقوله تعالى في بيان المحرمات: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} مفهوم المخالفة حلائل الأبناء الذين ليسوا من الأصلاب كابن الابن رضاعًا، وكقول الرسول: "في السائمة زكاة" مفهوم المخالفة المعلوفة التي ليست سائمة، وكقوله: "من باع نخلة مؤبرة فثمرتها للبائع".

<<  <   >  >>