للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} مع قوله سبحانه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} تدل الآية الأولى بعبارتها على وجوب القصاص من القاتل، وتدل الآية الثانية بإشارتها على أن القاتل العامد لا يقتص منه؛ لأن في اقتصارها على أن جزاءه جهنم إشارة إلى هذا، إذ يلزم من هذا الاقتصار في مقام البيان أنه لا تجب عليه عقوبة أخرى، ولكن رجح مدلول العبارة على مدلول الإشارة ووجب القصاص، وقوله -صلى الله عليه وسلم: "أقل الحيض ثلاثة أو أكثره عشر"، مع قوله -صلى الله عليه وسلم- في تعليل نقصان الدين في النساء: "تقعد إحداهن شطر عمرها لا تصلي"، فإن الحديث الأول يدل بعبارته على أن أكثر مدة الحيض عشرة أيام، والحديث الثاني يدل بإشارته على أن أكثر مدة الحيض خمسة عشر يومًا؛ لأنه نص على أن إحداهن تقعد نصف عمرها لا تصلي، ويلزم من هذا أن تكون مدة الحيض نصف شهر حتى يتحقق أنها في نصف عمرها لا تصلي، فلما تعارض المفهوم من عبارة النص الأول، والمفهوم من إشارة النص الثاني، رجح المفهوم من العبارة، وهو تقدير أكثر مدة الحيض بعشرة أيام.

مثال هذا من القانون المدني الملغي مواد النفقات الواردة في المواد "١٥٥، ١٥٧، ١٥٨" تدل بطريق الإشارة على اختصاص المحاكم الأهلية بالفصل في قضايا هذه النفقات؛ لأن هذا يلزم من النص عليها في قانونها، والمادة ١٦ من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية الملغاة التي جاء فيها أن ليس لهذه المحاكم أن تنظر في الأنكحة، وما يتعلق بها من قضايا المهر والنفقة، تدل بطريق العبارة على عدم اختصاص المحاكم الوطنية بقضايا النفقة، فلما تعارض المفهوم بطريق إشارة الأولى، والمفهوم بطريق عبارة الثانية، رجح المفهوم بطريق العبارة، فلا اختصاص للمحاكم الوطنية بمواد النفقات.

ومثال التعارض بين المفهوم بالإشارة والمفهوم بالدلالة من النصوص الشرعية قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} يؤخذ منه بطريق الدلالة أن من قتل مؤمنًا متعمدًا عليه أن يحرر رقبة مؤمنة؛ لأنه أولى من القاتل خطأ بهذا التكفير عن جريمته؛ لأن تحرير الرقبة كفارة للقاتل عن ذنبه، والعامد أولى أن يكفر عن ذنبه من الخاطئ، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} يؤخذ منه بطريق الإشارة أنه لا يجب عليه تحرير رقبة؛ لأن الآية تشير إلى أنه لا كفارة لذنبه في الدنيا إذ جعلت جزاءه خلوده في جهنم لا غير، فلما تعارضا رجحت الإشارة على الدلالة، فلا يجب على القاتل عمدًا تحرير رقبة.

<<  <   >  >>