للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجعلها لغيره إلا إذا كانت له، فثبوت الشروط العشرة لناظر وقفه بعبارة نصه وثبوتها لنفسه باقتضائه.

ومن هذا قول إنسان لآخر يملك عبدا: "اعتق عبدك عني بألف"، فإن هذا يدل بمقتضاه على شراء عبده منه؛ لأنه لا ينوب عنه في عتقه إلا بعد أن يتملكه منه بشرائه، فالشراء ثابت بنص هذه الصيغة اقتضاء.

ومن هذا التفصيل يثبت ما قدمناه في الإجمال، وهو أن كل معنى فهم من النص بطريق من هذه الطرق الأربع يكون من مدلولات النص، ويكون النص حجة عليه؛ لأن المعنى المأخوذ من عبارته هو المعنى المتبادر من ألفاظه المقصود من سياقه، والمعنى المأخوذ من عبارته هو المعنى المتبادر من ألفاظه المقصود من سياقه، والمعنى المأخوذ من إشارته هو المعنى الازم لمعنى عبارته لزومًا لا ينفك، فهو مدلوله بطريق الالتزام، والمعنى المأخوذ من دلالته هو المعنى الذي تدل عليه روحه ومعقوله، والمفهوم اقتضاء هو معنى ضروري اقتضى تقديره صدق عبارة النص أو استقامة معناه.

وطريق العبارة أقوى دلالة من طريق الإشارة؛ لأن الأول يدل على معنى متبادر فهمه مقصود بالسياق، والثاني يدل على معنى لازم غير مقصود بالسياق، وكل منهما أقوى من طريق الدلالة؛ لأن كلا منهما منطوق النص ومدلوله بصيغته وألفاظه، ولكن طريق الدلالة مفهوم النص ومدلوله بروحه ومعقوله، ولهذا التفاوت يرجع عند التعارض المفهوم من العبارة على المفهوم من الإشارة، ويرجح المفهوم من أحدهما على المفهوم من الدلالة.

مثال التعارض بين المفهوم بالعبارة والمفهوم بالإشارة من النصوص الشرعية


= وتحريم الخالات رضاعا، والعمات رضاعا، والأب رضاعا، يفهم من إشارة النص؛ لأن الله سبحانه وتعالى سمى اللاتي أرضعن أمهات، ويلزم من جعل المرضعة أما للرضيع أن تكون أختها خالته، وأن يكون زوجها أباه وأخت زوجها عمته؛ لأن صلة الأمومة تلزمها هذه الصلات.
وتحريم العمات والخالات يفهم منه تحريم الجدات بطريق دلالة النص؛ لأن الجدة أقرب من العمة، إذ العمة تنتسب بها، فتحريم القريبة يستلزم تحريم الأقرب منها بالأولى.
وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} يدل اقتضاء على مقدر محذوف تقديره زواج أمهاتكم؛ لأن إسناد التحريم إلى ذات الأمهات لا يستقيم، فصحة الإسناد تقتضي هذا المقدر.
وكذلك المادة ٢٤٧ من قانون العقوبات تفهم منها معان بعبارتها، وإشارتها ودلالتها، وقد بان هذا مما تقدم وكذلك قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} يدل بطريق العبارة على وجوب نفقة الوالدات على الأب، ويدل بطريق الإشارة على أن نفقة الولد واجبة له على أبيه وخاصة أن للأب نسبة في مال ابنه، ويدل بطريق الدلالة على وجوب أجر علاج الوالدات، وثمن أدويتهن؛ لأنهن أحوج إليه من رزقهن وكسوتهن.

<<  <   >  >>