"لا نسخ لحكم شرعي في القرآن أو السنة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم، وأما في حياته، فقد اقتضت سنة التدرج بالتشريع، ومسايرته المصالح نسخ بعض الأحكام التي وردت فيها ببعض نصوصهما نسخا كليا، أو نسخا جزئيا".
النسخ في اصطلاح الأصوليين:
هو إبطال العمل بالحكم الشرعي بدليل متراخ عنه، يدل على إبطاله صراحة أو ضمنا، إبطالا كليا أو إبطالا جزئيا لمصلحة اقتضته، أو هو إظها دليل لاحق نسخ ضمنا العمل بدليل سابق.
حكمته:
وهذا النسخ وقع في التشريع الإلهي، ويقع في كل تشريع وضعي؛ لأن المقصود من كل تشريع سواء أكان إلهيا أو وضعيا تحقيق مصالح الناس، ومصالح الناس قد تتغير بتغير أحوالهم. والحكم قد يشرع لتحقيق مصالح اقتضتها أسباب، فإذا زالت هذه الأسباب فلا مصلحة في بقاء الحكم. كما ورد أن وفودا من المسلمين، وفدوا على المدينة في أيام عيد الأضحى، فأراد الرسول أن يقيموا بين إخوانهم في سعة، فنهى المسلمين عن إدخار لحوم الأضاحي حتى تجد الوفود فيها توسعة عليهم، فلما رحلوا أباح للمسلمين الإدخار. وقال عليه السلام:"إنما نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي لأجل الدافة ألا فادخروا"؛ ولأن عدالة التشريع تقتضي التدرج وعدم مفاجأة من يشرع لهم بما يشق عليهم فعله، أو ما يشق عليهم تركه؛ وهذا التدرج يقتضي التعديل والتبديل كما وقع في حكم الخمر، فإن الله سبحانه وتعالى لم يشرع تحريمها في ابتداء التشريع، ولكن بين سبحانه أن فيه إثما كبيرا، ومنافع للناس، وأن إثمها أكبر من نفعها. وكان هذا تهيئة وتمهيدا إلى تحريمها؛ لأن الذي ضرره أكبر من نفعه يجدر بالعقل أن يجتنبه؛ ثم أمر المسلمين أن لا يقربوا الصلاة وهم سكارى، فكان هذا تمهيدا ثانيا لتحريمها واجتنابها؛ لأن أوقات الصلاة متعددة ومتفرقة، فلا يأمن المسلمون إذا شربوها أن يأتي عليهم وقت