للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد دل على هذا القصد بما قرنه ببعض هذ الأحكام من العلل والحكم التشريعية. كقوله تعالى في إيجاب الجهاد: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} ، وقوله في إيجاب القصاص: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، وقوله سبحانه: {لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ} . وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تعليل النهي عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه: "أرأيت إذا منع الله الثمر بم يأخذ أحدكم مال أخيه"؟. إلى غير ذلك من العلل التي تدل على أن قصد الشارع حماية الدين، والنفس والأموال وكل ما هو ضروري للناس.

ما الذي شرعه الإسلام للأمور الحاجية للناس!

الأمور الحاجية للناس، كما قدمنا ترجع إلى ما يرفع الحرج عنهم، ويخفف عنهم أعباء التكليف، وييسر لهم طرق المعاملات والمبادلات؛ وقد شرع الإسلام في مختلف أبواب العبادات والمعاملات، والعقوبات جملة أحكام المقصود بها رفع الحرج واليسر بالناس.

ففي العبادات شرع الرخص ترفيها، وتخفيفا عن المكلفين إذا كان في العزيمة مشقة عليهم، فأباح الفطر في رمضان لمن كان مريضا أو على سفر، وقصر الصلاة الرباعية للمسافر، والصلاة قاعدا لمن عجز عن القيام. وأباح التيمم لمن لم يجد الماء، والصلاة في السفينة ولو كان الاتجاه لغير القبلة. وغير ذلك من الرخص التي شرعت لرفع الحرج عن الناس في عبادتهم.

وفي المعاملات، شرع كثيرا من أنواع العقود والتصرفات التي تقتضيها حاجات الناس، كأنواع البيوع والإجارات والشركات والمضاربات، ورخص في عقود لا تنطبق على القياس، وعلى القواعد العامة في العقود، كالسلم وبيع الوفاء١ والاستصناع، والمزارعة والمساقاة، وغير ذلك مما جرى عليه عرف الناس ودعت إليه حاجتهم. وشرع الطلاق للخلاص من الزوجية عند الحاجة، وأحل الصيد وميتة البحر والطيبات من الرزق، وجعل الحاجات مثل الضروريات في إباحة المحظورات.


١ من العقود المستحدثة في القرن الخامس الهجري، وجمهور الفقهاء يعتبرونه باطلا؛ لأنه يشتمل على بيع وشرط ١٠هـ مصححه.

<<  <   >  >>