فالأمر بإطاعة الله ورسوله، أمر باتباع القرآن والسنة، والأمر بإطاعة أولي الأمر من المسلمين أمر باتباع ما اتفقت عليه كلمة المجتهدين من الأحكام؛ لأنهم أولو الأمر التشريعي من المسلمين، والأمر برد الوقائع المتنازع فيها إلى الله والرسول أمر باتباع القياس حيث لا نص ولا إجماع؛ لأن القياس فيه رد المتنازع فيه إلى الله وإلى الرسول؛ لأنه إلحاق واقعة لم يرد نص بحكمها بواقعة ورد النص بحكمها في الحكم الذي ورد به النص لتساوي الواقعتين في علة الحكم، فالآية تدل على اتباع هذه الأربعة.
وأما الدليل على ترتيبها في الاستدلال بها هذا الترتيب، فهو ما رواه البغوي "عن معاذ بن جبل أن رسول الله، لما بعثه إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء"؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: "فإن لم تجد في كتاب الله"؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله"؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، "أي لا أقصر في اجتهادي". قال: فضرب رسول الله على صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله". وما رواه البغوي عن ميمون بن مهران قال: "كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينه قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم عن رسول الله في ذلك الأمر سنة قضى بها فإن أعياه أن يجد سنة رسول الله جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإن أجمع رأيهم على أمر قضى به، وكذلك كان يفعل عمر"، وأقرهما على هذا كبار الصحابة ورءوس المسلمين، ولم يعرف بينهم مخالف في هذا الترتيب.
وتوجد أدلة أخرى عدا هذه الأدلة الأربعة لم يتفق جمهور المسلمين على الاستدلال بها، بل منهم من استدل بها على الحكم الشرعي، ومنهم من أنكر الاستدلال بها. وأشهر هذه الأدلة المختلفة في الاستدلال بها ستة: الاستحسان والمصلحة المرسلة، والاستصحاب، والعرف، ومذهب الصحابي، وشرع من قبلنا. فجملة الأدلة الشرعية عشرة. أربعة متفق من جمهور المسلمين على الاستدلال بها -وستة مختلف في الاستدلال بها، وهذا تفصيل البحث فيها جميعها.