للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبيح بيع المعدوم في السلم والاستصناع، واغتفرت الجهالة في المزارعة والمساقاة وبيع الغائب؛ لأن حاجة الناس قضت بأن لا تراعى هذه التحسينيات.

ولا يراعى حكم حاجي إذا كان في مراعاته إخلال بحكم ضروري. ولهذا تجب الفرائض والواجبات على المكلفين الذين ليسوا في حال تبيح لهم الرخصة وإن شق عليهم ما كلفوا به، إذ كل تكليف فيه كلفة ومشقة. فلو روعي أن لا تنال المكلف أية مشقة لأهملت عدة من الأحكام الضرورية من عبادات وعقوبات وغيرها؛ لأن كل ما أمر به المكلف أو نهى عنه لحفظ الضروريات لا يخلو امتثاله من مشقة عليه، ولكن احتملت هذه المشقة في سبيل حفظ الضروريات للمكلفين.

وأما الأحكام الضرورية فتجب مراعاتها، ولا يجوز الإخلال بحكم منها إلا إذا كانت مراعاة ضروري تؤدي إلى الإخلال بضروري أهم منه. ولهذا وجب الجهاد حفاظًا للدين وإن كان فيه تضحية النفس؛ لأن حفظ الدين أهم من حفظ النفس. وأبيح شرب الخمر إذا أكره على شربها بإتلاف نفسه أو عضو منه أو اضطر إليها في ظمأ شديد؛ لأن حفظ النفس أهم من حفظ العقل، وإذا أكره على إتلاف مال غيره، أبيح له أن يقي نفسه من الهلاك بإتلاف مال غيره. فبهذه الأحكام فيها إهمال حكم ضروري مراعاة لحكم ضروري أهم منه.

فقد ثبت بالبرهان أن مقاصد الشارع مما شرعه من الأحكام، لا تعدو حفظ واحد من هذه الثلاثة أو ما يكمله، وأن هذه المقاصد مرتبة في مراعاتها حسب أهميتها، وعلى ترتيبها رتبت الأحكام التي شرعت لتحقيقها.

وعلى هذه القاعدة الأصولية التشريعية الأولى، وضعت المبادئ الشرعية الخاصة بدفع الضرر، والمبادئ الشرعية الخاصة برفع الحرج، وعن كل مبدأ من هذه المبادئ تفرعت عدة فروع، واستنبطت جملة أحكام.

وهذا بيان المبادئ الخاصة بدفع الضرر، وأمثلة مما تفرع على كل مبدأ منها:

١- الضرر يزال شرعًا: من فروعه: ثبوت حق الشفعة للشريك أو الجار، وثبوت الخيار للمشتري في رد المبيع بالعيب وسائر أنواع الخيارات، والجبر على القسمة إذا امتنع الشريك. ووجوب الوقاية والتداوي من الأمراض. وقتل الضار من الحيوان. وتشريع العقوبات على الجرائم من حدود وتعازير وكفارات.

<<  <   >  >>