ومما ينبغي التنبه له أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين آيتين، أو بين حديثين صحيحين أو بين آية وحديث صحيح؛ وإذا بدا تعارض بين نصين من هذه النصوص إنما هو تعارض ظاهري فقط بحسب ما يبدو لعقولنا، وليس بتعارض حقيقي؛ لأن الشارع الواحد الحكيم لا يمكن أن يصدر عنه دليل يقتضي حكما في واقعة، ويصدر عنه نفسه دليل آخر يقتضي في الواقعة نفسها حكما خلافه في الوقت الواحد.
فإن وجد نصان ظاهرهما التعارض وجب الاجتهاد في صرفهما عن هذا الظاهر، والوقوف على حقيقة المراد منهما تنزيهًا للشارع العليم الحكيم عن التناقض في تشريعه. فإن أمكن إزالة التعارض الظاهري بين النصين بالجمع والتوفيق بينهما، جميع بينهما وعمل بهما، وكان هذا بيانا؛ لأنه لا تعارض في الحقيقة بينهما.
مثال١- قوله تعالى في سورة البقرة:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} .
وقوله تعالى في سورة النساء:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} إلى آخر آية المواريث. الآية الأولى توجب على المورث إذا قارب الموت أن يوصي من تركته لوالديه وأقاربه بالمعروف. والآية الثانية توجب لكل واحد من الوالدين والأولاد والأقربين حقا من التركة بوصية الله لا بوصية المورث. فهما متعارضتان ظاهرًا، ويمكن التوفيق بينهما بأن يراد في آية سورة البقرة الوالدان، والأقربون الذين منع من إرثهم مانع كاختلاف الدين.
ويمكن التوفيق بينهما بأن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بأبعد الأجلين، فإن وضعت حملها قبل أربعة أشهر وعشرة أيام من تاريخ الوفاة، تربصت حتى تتم أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن مضت أربعة أشهر وعشرة أيام قبل أن تضع حملها تربصت حتى تضع حملها.