للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرآن من عند الله وتحداهم أن يأتوا بمثله، فما كان أحوجهم وأشد حرصهم على أن يأتوا بمثله كله أو بعضه ليبطلوا أنه من عند الله وليدحضوا حجة محمد على أنه رسول الله، وبهذا ينصرون آلهتهم ويدافعون عن دينهم ويجتنبون ويلات الحروب.

وأما انتفاء ما يمنعهم من معارضته؛ فلأن القرآن بلسان عربي، وألفاظه من أحرف العرب الهجائية، وعباراته على أسلوب العرب، وهم من أهل البيان وفيهم ملوك الفصاحة وقادة البلاغة، وميدان سباقهم مملوء بالشعراء والخطباء والفصحاء في مختلف فنون القول. هذا من الناحية اللفظية، وأما من الناحية المعنوية فقد نطقت أشعارهم وخطبهم وحكمهم، ومناظراتهم بأنهم ناضجو العقول، ذوو بصر بالأمور وخبرة بالتجاريب، وقد دعاهم القرآن في تحديه لهم أن يستعينوا بمن شاءوا ليستكملوا ما ينقصهم ويتموا عدتهم، وفيهم الكهان وأهل الكتاب. وأما من الناحية الزمنية، فالقرآن لم ينزل جملة واحدة حتى يحتجوا بأن زمنهم لا يتسع للمعارضة بل نزل مفرقا في ثلاث وعشرين سنة بين كل مجموعة وأخرى زمن في متسع للمعارضة والإتيان بمثلها لو كان في مقدورهم.

فلا ريب أن الله سبحانه بلسان رسوله في كثير من الآيات تحدى الناس أن يأتوا بمثل القرآن، وأنهم مع شدة حرصهم وتوافر دواعيهم إلى أن يأتوا بمثله، وانتفاء ما يمنعهم لم يأتوا بمثله، ولو جاءوا بمثله وعارضوه لنصروا آلهتهم وأبطلوا حجة من سخر منهم وكفوا أنفسهم شر القتال والنضال، والغزوات عدة سنين. فالتجاؤهم إلى المحاربة بدل المعارضة، وائتمارهم على قتل الرسول بدل ائتمارهم على الإتيان بمثل قرآنه اعتراف منهم بعجزهم عن معارضته وتسليم أن هذا القرآن فوق مستوى البشري، ودليل على أنه من عند الله.

وجوه إعجاز القرآن:

ولكن لماذا عجزوا، وما وجوه الإعجاز؟

اتفقت كلمة العلماء على أن القرآن لم يعجز الناس عن أن يأتوا بمثله من ناحية واحدة معينة، وإنما أعجزهم من نواحي متعددة، لفظية ومعنوية وروحية، تساندت وتجمعت فأعجزت الناس أن يعارضوه. واتفقت كلمتهم أيضا على أن العقول لم تصل حتى الآن إلى إدراك نواحي الإعجاز كلها، وحصرها في وجوه

<<  <   >  >>