سبعين سورة. وروى له ثمانمائة وثمانية وأربعون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على أربع وستين، وانفرد البخاري بواحد وعشرين، ومسلم بخمسة وثلاثين، وكان من أنفذ الصحبة بصيرة في الفتيا، ومن ساداتهم في القرآن والفقه؛ لما سيره عمر إلى الكوفة كتب إلى أهلها: إني قد بعثت عمار بن ياسر أميرا وعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل بدر، فاقتدوا بهما وأطيعوا واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي. وقد أقام في الكوفة يأخذ عنه أهله الحديث والفقه، وهو معلمهم، وقاضيهم ومؤسس طريقتهم، وقد كان من منحى عمر، وأظهر مناحيه الاعتداد بالرأي حيث لا نص، وتلقى عنه طريقته: علقمة بن قيس النخعي وأخذها إبراهيم النخعي عن علقمة وإبراهيم هو أستاذ حماد بن أبي سليمان، وحماد هو أستاذ أبي حنيفة. قدم ابن مسعود في آخر عمره من الكوفة إلى المدينة ومات بها سنة ٣٢هـ.
عبد الله بن عمرو بن العاص:
أسلم عبد الله قبل أبيه عمرو، وكان أصغر منه باثنتي عشرة سنة، وكان عالما بالقرآن وبالكتب السماوية السابقة، وقد امتاز بأنه ما كان يكتفي بحفظ ما سمعه من رسول الله، بل كان يكتبه، وقد استأذن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أن يكتب عنه فأذن له فقال: يا رسول الله؛ أكتب ما أسمع في الرضا والغضب؟ قال: نعم فإني لا أقول إلا حقا. وقال أبو هريرة: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب، وقال مجاهد: أتيت عبد الله بن عمرو فتناولت صحيفة تحت مفروشه فمنعني، قلت: ما كنت تمنعني شيئا؟ قال: هذه الصادقة، ما سمعت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بيني وبينه أحد، إذا سلمت لي هذه، وكتاب الله، والوعظ فلا أبالي على ما كانت عليه الدنيا. وقد شهد مع أبيه فتح مصر، واختلط بها، وروى عنه أهلها أكثر من مائة حديث، وكان مرجعهم في شئونهم التشريعية يفتيهم ويعلمهم، وعنه أخذ مفتي مصر: يزيد بن حبيب، وتلاميذه، كالليث بن سعد، وأقرانه، فهو في مصر كعبد الله بن مسعود بالكوفة، وعبد الله بن عباس بمكة. وقد قال ابن سعد أنه توفي رحمه الله بمصر، ودفن بداره سنة سبع وسبعين هجرية، في خلافة عبد الملك بن مروان.