للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما هو ظني الدلالة، وأما السنة فمنها ما هو قطعي الورود ومنها ما هو ظني الورود، وكل واحد منهما قد يكون قطعي الدلالة وقد يكون ظني الدلالة.

وكل سنة من أقسام السنن الثلاثة المتواترة، والمشهورة وسنن الأحاد؛ حجة واجب اتباعها والعمل بها، أما المتواتر؛ فلأنها مقطوع بصدورها وورودها عن رسول الله، وأما المشهورة أو سنة الآحاد؛ فلأنها وإن كانت ظنية الورود عن رسول الله، إلا أن هذا الظن يرجح بما توافر في الرواة من العدالة وتمام الضبط والإتقان، ورجحان الظن كاف في وجوب العمل، لهذا يقضي القاضي بشهادة الشاهد، وهي إنما تفيد رجحان الظن بالمشهود به، وتصح الصلاة بالتحري في استقبال الكعبة وهو إنما يفيد غلبة الظن، وكثير من الأحكام مبنية على الظن، ولو التزم القطع واليقين في كل أمر عملي لنال الناس الحرج.

ما ليس تشريعا من أقوال الرسول وأفعاله: ما صدر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أقوال، وأفعال إنما يكون حجة على المسلمين واجبا اتباعه إذا صدر عنه بوصف أنه رسول الله وكان مقصودا به التشريع العام والاقتداء.

وذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنسان كسائر الناس، اصطفاه الله رسولا إليهم كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} .

١- فما صدر عنه بمقتضى طبيعته الإنسانية من قيام، وقعود، ومشي، ونوم، وأكل، وشرب، فليس تشريعا؛ لأن هذا ليس مصدره رسالته ولكن مصدره إنسانيته، لكن إذا صدر منه فعل إنساني، ودل دليل على أن المقصود من فعله الاقتداء به كان تشريعا بهذا الدليل.

٢- وما صدر عنه بمقتضى الخبرة الإنسانية والحذق، والتجارب في الشئون الدنيوية من اتجار أو زراعة، أو تنظيم جيش، أو تدبير حربي، أو وصف دواء لمرض، أو أمثال هذا فليس تشريعا أيضا؛ لأنه ليس صادرا عن رسالته، وإنما هو صادر عن خبرته الدنيوية وتقديره الشخصي، ولهذا لما رأى في بعض غزواته أن ينزل الجند في مكان معين قال له بعض صحابته: أهذا منزل أنزلكه الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة.

فقال الصحابي: ليس هذا بمنزل، وأشار بإنزال الجند في مكان آخر لأسباب حربية بينها للرسول. ولما رأى الرسول أهل المدينة يؤبرون النخل، أشار عليهم أن

<<  <   >  >>