للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة النوع الثاني:

نهى الشارع عن بيع المعدوم والتعاقد على المعدوم، ورخص استحسانا في السلم والإجارة والمزارعة، والمساقاة والاستصناع وهي كلها عقود؛ المعقود عليه فيها معدوم وقت التعاقد، ووجه الاستحسان حاجة الناس وتعارفهم.

ونص الفقهاء على أن الأمين يضمن بموته مجهلا؛ لأن التجهيل نوع من التعدي. واستثنى استحسانا موت الأب أو الجد أو الوصي مجهلًا، ووجه الاستحسان أن الأب والجد والوصي لكل منهم أن ينفق على الصغير ويصرف ما يحتاج إليه فلعل ما جهله كان قد صرفه في وجهه.

ونصوا على أن الأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير في الحفظ، واستثنى استحسانًا الأجير المشترك، فإن يضمن إلا إذا كان هلاك ما عنده بقوة قاهرة، ووجه الاستحسان تأمين المستأجرين، ونصوا على أن المحجور عليه للسفه لا تصح تبرعاته، واستثنى استحسانا وقفه على نفسه مدة حياته، ووجه الاستحسان أن وقفه على نفسه فيه تأمين عقاراته من الضياع، وهذا يتفق والغرض من الحجر عليه.

ففي كل مثال من هذه الأمثلة استثنيت جزئية من حكم كلي بدليل، وهذا هو الذي يسمى اصطلاحًا الاستحسان.

٣- حجيته:

من تعريف الاستحسان وبيان نوعه يتبين أنه في الحقيقة ليس مصدرًا تشريعيا مستقلا؛ لأن أحكام النوع الأول من نوعية دليلها هو القياس الخفي الذي ترجح على القياس الجلي، بما اطمأن له قلب المجتهد من المرجحات، وهو وجه الاستحسان، وأحكام النوع الثاني من نوعه دليلها هو المصلحة التي اقتضت استثناء الجزئية من الحكم الكلي، وهي التي يعبر عنها بوجه الاستحسان.

فمن احتجوا بالاستحسان وهم أكثر الحنفية ودليلهم على حجيته: أن الاستدلال بالاستحسان إنما هو استدلال بقياس خفي، ترجح على قياس جلي، أو هو ترجيح قياس على قياس يعارضه، بدليل يقتضي هذا الترجيح، أو استدلال بالمصلحة المرسلة على استثناء جزئي من حكم كلي، وكل هذا استدلال صحيح.

<<  <   >  >>