بوجوده حتى يقوم الدليل على عدمه، ومن علم عدم أمر حكم بعدمه حتى يقوم الدليل على وجوده.
وقد درج على هذا القضاء، فالملك الثابت لأي إنسان بسبب من أسباب الملك يعتبر قائما حتى يثبت ما يزيله، والحل الثابت للزوجين بعقد الزواج يعبر قائما حتى يثبت ما يزيله، والذمه المشغولة بدين أو بأي التزام تعتبر مشغولة به حتى يثبت ما يخليها منه، والذمة البريئة من شغلها بدين أو التزام تعتبر بريئة حتى يثبت ما يشغلها، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره.
وعلى هذا الاستصحاب بنيت المادة ١٨٠ من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، ونصها:"تكفي الشهادة بالدين وإن لم يصرح ببقائه في ذمة المدين وكذا الشهادة بالعين" والمادة ١٨١منها ونصها: "تكفي الشهادة بالوصية أو الإيصاء، وإن لم يصرح بإصرار الموصي إلى وقت الوفاة".
وعلى الاستصحاب بنيت المبادئ الشرعية الآتية:
الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغيره -الأصل في الأشياء الإباحة- ما ثبت باليقين لا يزول بالشك، الأصل في الإنسان البراءة.
والحق أن عد الاستصحاب نفسه دليلا على الحكم فيه تجوز؛ لأن الدليل في الحقيقة هو الدليل الذي ثبت به الحكم السابق، وما الاستصحاب إلا استبقاء دلالة هذا الدليل على حكمه. وقد قرر علماء الحنفية أن الاستصحاب حجة للدفع لا للإثبات، مرادهم بهذا أنه حجة على بقاء ما كان على ما كان، ودفع ما يخالفه حتى يقوم دلل يثبت هذا الذي يخالفه، وليس حجة لإثبات أمر غير ثابت، ويوضح هذا ما قرروه في المفقود، وهو الغائب الذي لا يدرى مكانه ولا تعلم حياته ولا وفاته، فهذا المفقود يحكم بأنه حي باستصحاب الحال التي عرف بها حتى يقوم دليل على وفاته، وهذا الاستصحاب الذي دل على حياته حجة تدفع بها دعوى وفاته والإرث منه وفسخ إجارته. وطلاق زوجته، ولكنه ليس حجة لإثبات إرثه من غيره؛ لأن حياته الثابتة بالاستصحاب حياة اعتبارية لا حقيقية.