للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخييره بين فعل والكف عنه، ووجه التسمية ظاهر فيما طلب به من المكلف فعله أو الكف عنه. وأما ما خير به المكلف بين فعل والكف عنه، فوجه تسميته تكليفيا غير ظاهر؛ لأنه لا تكليف فيه؛ ولهذا قالوا: إن إطلاق الحكم التكليفي عليه من باب التغليب.

وأما الحكم الوضعي: فهو ما اقتضى وضع شيء سببًا لشيء، أو شرطًا له، أو مانعًا منه.

فمثال ما اقتضى وضع شيء سببا لشيء، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} اقتضى وضع إرادة إقامة الصلاة سببا في إيجاب الوضوء. وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، اقتضى وضع السرقة سببًا في إيجاب قطع يد السارق. وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلًا فله سلبه"، اقتضى وضع قتل القتيل سببًا في استحقاق سلبه، وغير ذلك من النصوص التي اقتضت وضع أسباب لمسببات. ومثال ما اقتضى وضع شيء شرطا لشيء، قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} اقتضى أن استطاعة السبيل إلى البيت شرط لإيجاب حجة. وقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بشاهدين"، اقتضى أن حضور الشاهدين شرط لصحة الزواج. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا مهر أقل من عشرة دراهم". اقتضى أن الشرط تقدير المهر تقديرًا صحيحا شرعا أن لا يقل عن عشرة دراهم. وغير ذلك من النصوص التي دلت على اشتراط شروط لإيجاب الفعل. أو لصحة العقد أو لأي مشروط.

ومثال ما اقتضى جعل شيء مانعا من شيء، قوله -صلى الله عليه وسلم: "ليس للقاتل ميراث"، اقتضى جعل قتل الوارث مورثه مانعا من إرثه.

وإنما سمي الحكم الوضعي؛ لأن مقتضاه وضع أسباب لمسببات، أو شروط لمشروطات، أو موانع من أحكام.

ويؤخذ مما تقدم أن الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي من وجهين:

أحدهما: أن الحكم التكليفي مقصود به طلب فعل من المكلف أو كفه عن فعل، أو تخييره بين فعل شيء والكف عنه. وأما الحكم الوضعي فليس مقصودا به تكليف أو تخيير، وإنما المقصود به بيان أن هذا الشيء سبب لهذا المسبب، أو أن هذا شرط لهذا المشروط. أو أن هذا مانع من هذا الحكم.

<<  <   >  >>