البغي كفرسي رهان، فأما عاد فأهلكهم الله عز وجل بالرّيح العقيم، والعذاب الأليم، وأما ثمود فرماها بالدُّمالق، وأهلكها بالصواعق، كانت بنو هانىء بن هذلول بن هوذلة بن ثمود يسكنونهاوهم الذين خطوا مشاربها، وأتوا جداولها وأحيوا عراصها، ورفعوا عراشها، ثم إن حمير ملكوا معاقل الأرض وقرارها وكهول الناس وأغمارها، حتى بلغوا أدناها وأقصاها، وملكوا أخراها وأولاها، فكان لهم البيضاء والسوداء، وفارس الحمراء، والخزنة الصفراء، فبطروا النعم واستحقوا النقم، فضرب الله تعالى بعضهم ببعض وأهلكهم في الدنيا بالغدر فكانوا كما قال شاعرنا:
من حمير حين كان البغي مجهرةً ... منهم على حادث الأيام فانجردوا
ثم إن قبائل من الأزد نزلوها على عهد عمرو بن عامر ففتحوا فيها الشرائع وبنوا فيها المصانع فكان لهم ساكنها وعامرها وقاربها وسامرها حتى نفتها مذحج بسلاحها، ونحتها برماحها، فأجلوا عنها عناناً، وتركوها عياناً، وحاولوها زماناً، ثم ترامت مذحج بأسنتها، وتسربت باعنتها، فغلب العزيز أذلها، وأكل الكثير أقلها، وكنا معاشر يحابر أوتاد مرساه، ونظام أولاها، وصفاة مجراها، فأصابنا بها القحوط، وأخرجنا منها القنوط، بعدما غرسنا بها الأشجار، وأكلتا بها الثمار، وكان بنو عمرو ابن خالد بن جذيمة يخبطون عضيدها، ويأكلون حصيدها، ويرشحون خضيدها حتى ظعنا منها، ثم إن قسيّ بن معاوية وإياد بن نزار نزلوا بها فلم يصلوا بها حبلاً؟؟؟؟! ولم يجعلوا لها أكلاً، ولم يرضوا آخراً، ولا أولاً، فلما أثرى ولدهم، وكثر عددهم، تناسوا بينهم حسن البلاء، وقطعوا منهم عقد الولاء، فطارت الحرب بينهم حتى أفنى بعضهم بعضاً فاردد الينا بلدنا يا رسول الله.
قال: فوافق عند رسول الله الأخنس بن شريق وأسود بن مسعود الثقفييِّن فقال الأسود بن مسعود بن مغيث مجيباً له: يا رسول الله