إن بني هاني بن هذلول بن هوّذلة بن ثمود كانوا ساكني بطن وجّ بعد هلاك مهلائيل بن قينان فعطِّلت منازلها وتركت مساكنها خراباً وبناؤها فتحامتها العرب تحاميا وتجافت عنها تجافيا مخافة أن يصيبها ما أصاب عادا وثمود من معاريض البلاء، ودواعي الشقاء، فلما كثرت قحطان وضاقت بها فجاجها ساق بعضهم بعضاً فانتجعوا رضاً فأرضاً وأقامت بنو عمرو بن خالد بن جذيمة ثم إن قسي بن معاوية وإياد بن نزار ساروا إليهم فساقوهم السمام، وأوردوهم الحمام، فأخلوها وتوجهوا منها إلى اليمن والتمست إياد المناصفة من المغنم فأبت قسيّ عليهم وكانت قسيّ أكثر من إياد عدداً، وأوضع منهم بلداً، فتلاحقوا حتى وقدت الحرب في هضباتها وخاضوا في غمراتها وأخرجوهم من سرواتها وأناخوا على إياد بالكلكل وسقوهم بصبير النَّيطل حتى خلا لهم خبارها وحزونها وظهورها وبطونهاوقورها وعيونها ورحلت إياد إلى العراق وأقامت قسيّ ببطن وجّ ليس لهم شائبة يأكلون ملاحها، ويرعون سراحها ويختبطون طلاحها، ويأبرون نخلها، ويملكون سهلها وجبلها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن نعيم الدنيا أقل وأصغر من خربصيصة ولو عدلت عند الله عزّ وجلّ جناح ذباب لم يكن لمسلم لحاح، ولا لكافر بها براح، ولو علم المخلوق مقدار يومه لضاقت عليه برحبها ولم ينفعه حبور ولا خفض ولكنه غم عليه الأجل، ومد له في الأمل وإنما سميت الجاهلية لضعف أعمالها وجهالة أهلها فمن أدركه الإسلام وفي يده خراب أو عمران فهو له على وظف زكواته لكل مؤمن خلصّي أو معاهد ذميّ، إن أهل الجاهلية عبدوا غير الله عز وجل ولهم أعمال ينتهون إلى مدتها، ويصيرون إلى نهايتها مؤخر عنهم العقاب إلى يوم الحساب، أمهلهم بقدرته، وجلاله وعزته، فغلب الأعز منها الأذل، وأكل الكثير منها الأقل، والله الأعلى الأجل، فما كان في الجاهلية فهو موضوع من سفك دم وانتهاك محرم عفا الله عما سلف