للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذه أحوال المكتسبين للأموال ومنفقيها وكذلك حال من عمل عمل العدول وليس بعدل. وذلك أنه إذا عدل في بعض الأمور مراآة ليصل به إلى كرامة أو مال أو غير ذلك من الشهوات أو لغرض آخر مما عددناه فيما تقدم فليس يسمي عادلا وإنما يعمل عمل العدول للغرض الذي يقصده. وينبغي أن ينسب فعله إلى غرضه فإنه بحسب هذا يفعل ذلك كما قلنا وشرحنا.

[العادل]

فأما العادل بالحقيقة فهو الذي قواه وأفعاله وأحواله كلها حتى لا يزيد بعضها على بعض ثم يروم ذلك فيما هوخارج عنه من المعاملاب والكرامات ويقصد في جميع ذلك فضيلة العدالة نفسها لا غرضا آخر سواها وإنما يتم له ذلك إذا كانت له هيئة نفسانية أدبية تصدر عنها أفعاله كلها بحسبها. ولما كانت العدالة وسطا بين أطراف وهيئة يقتدر بها على رد الزائد والناقص إليها صارت أتم الفضائل وأشبهها بالوحدة. وأعني بذلك أن لوحدة هي التي لها الشرف الأعلى والرتبة القصوى. وكل كثرة لا يضبطها معنى يوحدها فلا قوام لها ولا نبات. والزيادة والنقصان والكثرة والقلة هي التي تفسد الأشياء إذا لم يكن بينها مناسبة تحفظ عليها الإعتدال بوجه ما. فالإعتدال هو الذي يرد إليها ظل الوحدة ومعناها. وهو الذي يلبسها شرف الوحدة ويزيل عنها رذيلة الكثرة والتفاوت والإضطراب الذي لا يحد ولا يضبط بالمساواة التي هي خليفة الوحدة في جميع الكثرات واشتقاق هذا الإسم يدلك على معناه.

<<  <   >  >>