وههنا مسألة عويصة أشد من الأولى وهو أن التفضل شيء محمود جدا وليس يقع تحت العدالة لأن العدالة كما ذكرنا مساواة ة والتفضل زيادة وقد حكمنا أن العدالة تجمع الفضائل كلها ولا مزيد عليها بل يجب أن تكون الزيادة عليها مذمومة كما أن النقصان عنها مذوم ليكون شرف الوسط الذي تقدم وصفه في سائر الأخلاق حاصلا للعدالة. فالجواب عنها ان التفضل احتياط يقع من صاحبه في العدالة ليأمن به وقوع النقص في شيء من شرائطها وليس الوسط في كلا الطرفين من الأخلاق على شريطة واحدة وذلك أن الزيادة في باب السخاء إذا لم تخرج إلى باب التبذير أحسن من النقصان فيه وأشبه بالمحافظة على شرائطه فتصير كالاحتياط فيه والأخذ بالحزم فيه. وأما العفة فإن النقصان من الوسط فيها أحسن من الزيادة عليه وأشبه بالمحافظة على شرائطه وأبلغ في الاحتياط عليه وأخذ الحزم فيه ومع ذلك فليس يستعمل التفضل إلا حيث تستعلم العدالة. وأعني بذلك أن من أعطى ماله من لا يستحق شيئا منه وترك مواساة من يستحقه لا يسمى متفضلا بل مضيعا. وإنما يكون متفضلا إذا أعطى من يستحق كل ما يستحق ثم زاده تفضلا وهذه الزيادة ليست من الزيادة التي ذكرناها في باب السخاء لأن تلك الزيادة ذهاب إلى الطرف الذي يسمى تبذيرا وهو مذموم ويعرف ذلك من حده وهو بذل مالا ينبغي كمالا ينبغي في الوقت الذي لا ينبغي.