وكثيرا ما تحدث بالإجتماعات في المواضع الغريبة. إلا انها تزول بزوال المواضع كالسفينة وما جرى مجراها.
والسبب في هذه المحبة الأنس وذلك أن الإنسان آنس بالطبع وليس بوحشي ولا نفور ومنه اشتق إسم الإنسان في اللغة العربية وقد تبين ذلك في صناعة النحو وليس كما قال الشاعر:
سميت إنسانا لأنك ناس
فإن هذا الشاعر ظن أن الإنسان مشتق من النسيان وهو غلط منه. وينبغي ان يعلم أن هذا الأنس الطبيعي في الإنسان هو الذي ينبغي أن نحرص عليه ونكتسبه مع أبناء جنسنا حتى لا يفوتنا بجهدنا واستطاعتنا فإنه مبدأ المحبات كلها.
[الشريعة تدعو إلى الأنس والمحبة]
وإنما وضع للناس بالشريعة وبالعادة الجميلة إتخاذ الدعوات والإجتماع في المآدب ليحصل لهم هذا الأنس. والشريعة إنما أوجبت على الناس أن يجتمعوا في مساجدهم كل يوم خمس مرات وفضلت صلاة الجماعة على صلاة الآحاد ليحصل لهم هذا الأنس الطبيعي الذي هو فيهم بالقوة حتى يخرج إلى الفعل ثم يتأكد بالإعتقادات الصحيحة التي تجمعهم.
وهذا الإجتماع في كل يوم ليس يتعذر على أهل كل محلة وسكة. والدليل على أن غرض صاحب الشريعة ما ذكرناه أنه أوجب على أهل المدينة بأسرهم أن يجتمعوا في كل أسبوع يوما بعينه في مسجد يسعهم ليجتمع أيضا شمل أهل المحال والسكك في كل أسبوع كما اجتمع شمل أهل الدور والمنازل في كل يوم.