النفوس الثلاثاء وذلك أن هذه الأنفس الثلاث إذا اتصلت صارت شيئا واحدا ومع أنها تكون شيئا واحدا فهي باقية التغاير وباقية القوى تثور الواحدة بعد الواحدة حتى كأنها لم تصل بالأخرى ولم تتحد بها وتستجدي أيضا الواحدة للأخرى حتى كأنها غير موجودة ولا قوة لها تنفرد بها. وذلك أن إتحادها ليس بأن تتصل نهايتها ولا بأن تتلقى سطوحها كما يكون ذلك في الأجسام. بل تصير في بعض الأحوال شيئا واحدا وفي بعض الأحوال أشياء مختلفة بحسب ما تهيج قوة بعضها أو تسكن. ولذلك قال قوم أن النفس واحدة ولها قوى كثيرة. وقال آخرون بل هي واحدة بالذات كثيرة بالعرض وبالموضوع.
وهذا شيء يخرج الكلام فيه عن غرض الكتاب وسيمر بك في موضعه.
وليس يضرك في هذا الوقت أن تعتقد أي هذه الآراء شئت بعد أن تعلم أن بعض هذه كريمة أدبية بالطبع وبعضها مهينة عادمة للأدب بالطبع. وليس فيها استعداد لقبول الأدب وبعضها عادمة للأدب. إلا انها تقبل التأدب وتنقاد للتي هي أدبية. أما الكريمة الأدبية بالطبع فالنفس الناطقة. وأما العادمة للأدب وهي مع ذلك غير قابلة له فيه النفس البهيمية وأما التي عدمت الأدب ولكنها تقبله وتنقاد له فهي النفس الغضبية وإنما وهب الله تعالى لنا هذه النفس خاصة لنستعين بها على تقويم البهيمية التي لا تقبل الأدب.