فإذا التفضل غير خارج عن شرط العدالة بل هو احتياط فيها، ولذلك قيل أن المتفضل أشرف من العادل. فقد بان أن التفضل ليس غير العدالة بل هو العدالة مع الاحتياط فيها وكأنه مبالغة لا يخرجها عن معناها لأن هذه الهيئة النفسانية ليست غير تلك الهيئة بل هي. فأما الأطراف التي هي رذائل أعني الزيادة والنقصان التي سبق القول فيهما فهي كلها هيئات مذمومة غير الهيئات المحمودة. وحدود هذه الأشياء هي التي تحصل لك معانيها ومشاركة بعضها البعض. ومباينة بعضها البعض. وأيضا فإن الشريعة تأمر بالعدالة أمرا كليا وليست تنحط إلى الجزئيات وأعني بذلك أن العدالة التي هي المساواة تكون مرة في باب الكم ومرة في باب الكيف وفي سائر المقولات وبيان ذلك أن نسبة الماء إلى الهواء مثلا ليست تكون بالكمية بل بالكيفية ولو كانت بالكمية لوجب أن يكونا متساويين في المساحة ولو كانا كذلك لتغالبا وأحال أحدهما الآخر إلى ذاته.
وكذلك النار والهواء ولو أحالت هذه العناصر بعضها بعضا لفنى العالم في أقرب مدة. ولكن الباري تقدس اسمه عدل بين هذه بالقوة فتقاومت فليس يغلب أحد الآخر بالكلية وإنما يحيل الجزء منهاالجزء في الأطراف أعني حيث تلتقي نهاياتها. وأما كلياتها فلا تقدر على كلياتها لأن قواها متساوية متعادلة على غاية التسوية والتعادل.
وبهذا النوع من العدل قيل بالعدل قامت السموات والأرض ولو رجح أحدهما على الآخر بزيادة يسير قوة لأحال الزائد الناقص وقوى عليه فبطل العالم فسبحان القائم بالقسط لا إله إلا هو.