وأقل ماتكون المساواة بين اثنين ولكنها تكون في معاملة مشتركة بينهما وهو الشيء الثالث وربما كانا شيئين كما قلنا فتصير المناسبات كما بينا بين أربعة أشياء. وينبغي أن يعلم ان هذه الهيئة النفسانية هي غير الفعل وغير المعرفة وغيرة القوة.
أما الفعل فلأنّا قد بينا انه قد يقع على غير هيئة نفسانية. كمن يعمل أعمال العدالة وليس بعادل وكمن يعمل أعمال الشجاعة وليس بشجاع وأما القوة والمعرفة فلان كل واحدة منهما هي بعينها للضدين معا. فإن العلم بالضدين واحد وكذلك القوة على الضدين قوة واحدة. وأما لاهيئة القابلة لأحد الضدين فهي غير الهيئة القابلة للضد الآخر. ومثال ذلك هيئة الشجاعة فإنها غير هيئة الجبن وكذلك هيئة العفة غير هيئة الشره وهيئة العدالة غير هيئة الجور. ثم إن العدالة والخيرية يشتركان في باب المعاملات والأخذ والإعطاء. إلا أن العدالة تقع في اكتساب المال على الشرائط التي قدمنا القول فيها. والخيرية تقع في إنفاق المال على الشرائط التي ذكرناها أيضا ومن شأن من يكتسب أن يأخذ فهو بالمنفعل أشبه ومن شأن المنفق أن يعطي فهو بالفاعل أشبه. فلهذه العلة تكون محبة الناس للخير أشد من محبتهم للعادل. إلا أن نظام العالم بسبب العدالة أكثر منه بالخيرية. وخاصة الفضيلة هي في فعل الخير لا في ترك الشر وخاصة محبة الناس وحمدهم في بذل المعروف لا في جمع المال. فالخير لا يكرم المال ولا يجمعه لذاته بل ليصرفه في وجوهه التي يكتسب بها المحبات والمحامد.