وإنما وضعت العفة فضيلة لأجل اللذات الرديئة التي تحي الخيانات العظيمة على النفس والبدن. وكذلك الشجاعة وضعت فضيلة من أجل الأمور الهائلة التي يجب أن يقدم الإنسان عليها في بعض الأوقات ولا يهرب منها وعلى هذا جميع الأخلاق المرضية التي وصفناها وحضضنا على إقتنائها. وأيضا فإن جميع هذه الفضائل تحتاج إلى أسباب خارجة من الأموال واكتسابها من وجوهها ليمكنه أن يفعل بها فعل الأحرار والعادل يحتاج إلى مثل ذلك ليجازي من عاشره بجميل ويكافىء من عامله بإحسان وجميعها لا تقوم إلا بالأبدان والأنفس وما هو خارجعنها على حسب تقسيمنا السعادات فيما مضى.
وكلما كانت الحاجات كثيرة احتيج إلى المواد الخارجة عنا أكثر فهذه حالة السعادات الإنسانية التي لا تتم لنا إلا بالأفعال والأحوال المدنية وبالأعوان الصالحين والأصدقاء المخلصين وهي كما تراها كثيرة والتعب بها عزيم ومن قصر فيها قصرت به السعادة الخاصة به. ولذلك صار الكسل ومحبة الراحة من أعظم الرذائل لأنهما يحولان بين المرء وبين جميع الخيرات والفضائل ويسلخان الإنسان من الإنسانية. ولذلك ذممنا المتوسمين بالزهد إذا تفردوا عن الناس وسكنوا الجبال والمفازات واختاروا التوحش الذي هو ضد التمدن لأنهم ينسلخون عن جميع الفضائل الخلقية التي عددناها كلها. وكيف يعف ويعدل ويسخو ويشجع من فارق الناس وتفرد عنهم وعدم الفضائل الخلقية. وهل هو إلا بمنزلة الجماد والميت وأما محبة الحكمة والإنصراف إلى التصور العقلي وإستعمال الآراء الإلهية فإنها خاصة بالجزء الإلهي من الناس وليس يعرض لها شيء من الآفات التي تعرض للمحبات الأخرى الخلقية وضروب الفساد