فإذا هؤلاء الأبرار المطهرون من بين خلق الله عز وجل غير محتاجين إلى الفضائل الإنسية والله تعالى وتقدس وجل أعلى من ملائكته فيجب أن ننزه عن جميع ماذكرناه من فضائل الإنسان وإنما نذكره بالخير البسيط الذي يشبهه وننسب إليه الأمور العقلية التي تليق به. فبالحق الواجب الذي لا مرية فيه لا يحبه إلا السعيد الخير من الناس الذي يعرف السعادة والخير بالحقيقة فلذلك يتقرب إليه بهما جهده ويطلب مرضاته بقدر قاته ويتقبل أوامر بنحو استطاعته. ومن أحب الله تعالى هذه المحبة وتقرب إليه هذا التقرب وأطاعه هذه الطاعة أحبه الله وقربه وأرضاه وأستحق خلته التي أطلقتها الشريعة على بعض البشر حيث قيل إبراهيم خليل الله، وأما أرسطوطاليس فإنه أطلق بعد ذلك بالعلة شيئا غير مطلق في لغتنا. وذلك أنه قال (من أحب الله وتعاهده كما يتعاهد الأصدقاء بعضهم بعضا أحسن إليه) ولذلك يظن بالحكيم اللذات العجيبة وضروب الفرح الغريبة ويرى من تحقق بالحكمة أنها ملذة غاية الإلتذاذ فلا يلتفت إلى غيرها ولا يعرج على سواها. وإذا كان الأمر على ما وصفنا فالحكيم السعيد التام الحكمة هو الله تعالى فليس يحبه إلا السعيد الحكيم بالحقيقة لأن الشبيه إنما يسر بشبيهه فقط. ولذلك صارت هذه السعادة ارفع وأعلى من تلك السعادة التي ذكرناها وهي غير منسوبة إلى الإنسان لأنها مهذبة من الحياة الطبيعية مبرأة من التقوى النفسانية مباينة لجميعها غاية المباينة وإنما هي موهبة إلهية يهبها الباريب جلت عظمته لمن إصطفاه من عباده ثم التمسها منه وسعى لها سعيها ورغب فيها ولزمها مدة حياته واحتمل المشقة والتعب فإن من لم يصبر على إدامة التعب إشتاق اللعب؟.