نبتدىء بعون الله وتوفيقه وتأييده في هذه المقالة بذكر شفار الأمراض التي تلحق نفس الإنسان وعلاجها ونذكر الأسباب والعلل التي تولدها وتحدث منها فإن حذاق الأطباء لا يقدمون على علاج مرض جسماني إلا بعد أن يعرفوه ويعرفوا السبب والعلة فيه ثم يرومون مقابلته بأضداده من العلاجات ويبتدؤن من الحمية والأدوية اللطيفة إلى أن ينتهوا في بعضها إلى إستعمال الأغذية الكريهة والأدوية البشعة وفي بعضها إلى القطع بالحديد والكي بالنار.
ولما كانت النفس قوة إلهية غير جسمانية وكانت مع ذلك مستعملة لمزاج خاص ومربوطة به رباطا طبيعيا إلهيا لا يفارق أحدهما صاحبه إلا بمشيئة الخالق عز وجل وجب أن نعلم أن أحدهما متعلق بصاحبه متغير بتغيره فيصبح بصحته ويمرض بمرضه ونحن نرى ذلك مشاهدة وعيانا بما يظهر لنا من أفعالها.
وذلك أنا كمانرى المريض من جهة بدنه لا سيما إن كان سبب مرضه أحد الجزئين الشريفين أعني الدماغ والقلب يتغير عقله ويمرض حتى ينكر ذهنه وفكره وتخيله وسائر قوى نفسه الشريفة ويحس هو من نفسه بذلك. كذلك أيضا، نرى المريض من جهة نفسه إما بالغضب وإما بالحزن وإما بالعشق وإما بالشهوات الهائجة به تتغير صورة بدنه حتى يضطرب ويرتعد ويصفر ويحمر ويهزل ويسمن ويلحقه ضروب التغير المشاهدة بالحس. فيجب لذلك أن نتفقد مبدأ الأمراض إذا كان من نفوسنا فإن كان مبدؤها من ذاتها كالفكر في الأشياء الرديئة وإجالة الرأى فيها وكاستشعار الخوف والخوف من الأمور العارضة والمترقبة والشهوات الهائجة قصدنا علاجها بما يخصها.