مثال ذلك الجعل والخنافس إذا قيست إلى النحل فإذا تلك تهرب من الروائح الطيبة والأقوات النظيفة وهذا يطلبها ويسر بها. فإن نسبة كل حيوان إلى قوته الخاص به ككل مقتنع بما يحفظ بقاءه وحياته فهو طالب مسرور به.
فينبغي أن ننظر إلى أقواتنا بهذه العين وننزلها منزلة الحش الذي نضطر إلى ملابسته لإخراج ما كنا نحرص على الوصول إليه فلا نبعدها من هذا الآخر لأنهما ضرورتان لنا فنحن نلابسهما لأجل الضرورة ولا نشغل عقلنا باختيارهما والتمتع بهما وإفناء أعمارنا في التأنق لهما والتوصل إليهما ولا نتكاسل أيضا عن إعداد ضروراتنا منهما. وإنما يفضل أحدهما علىالآخر ويستحسن السعي في طلب الدخل ولا يستحسن السعي في طلب الخرج لأن الأول منهما هو غذاء موافق لنا يخلف علينا ماتحلل من أبداننا ولا نستقذره كذلك لا ننفر مما نضعه مكان ما ينقص منه وينوب عنه. وأما الثاني منهما فهو عصارة ذلك الغذاء وما نفقته الطبيعة وأخذت حاجتها منه أعني الذي أحالته دما صافيا وفرقته في العروق على الأعضاء وأطرحت التفل الذي لا حاجة بها إليه وهو في غاية المخالفة والبعد من أمزجتنا فنحن نستوحش منه وننفر عنه لأجل الضدية والمخالفة إلا أننا مضطرون إلى إخراجه وتنحيته ونفضه عنا بالآلات الموهوبة المستعملة في ذلك ليفرغ مكانه لما يأتي بعده ويجري مجراه. وينبغي لحافظ الصحة علىنفسه أن لا يحرك قوته الشهوانية وقوته الغضبية بتذكر ما أصاب منهما موجدا لذته بل يتركهما حتى يتحركا بأنفسهما وذلك أن الإنسان ربما تذكر لذاته في غصابة الشهوات وطيبها ومراتب كرامته من السلطان وغيرها فاشتاق إليها وإذا اشتلق إليها تحرك نحوها فقد جعلها غرضا له فيضطر إلى استعمال الروية واستخدام النفس الناطقة فيها لتدبر له الوصول إليها. وهذه صورة من يثير بهائم عادية ويهيج سباعا ضاربة ثم يلتمس معالجتها والخلاص منها.