فهذه أجناس الأمراض التي تقابل الفضائل التي هي صحة النفس وتحت هذه الأجناس أنواع لا نهاية لها ونبدأ بذكر التهور والجبن اللذين هما طرفا الشجاعة وهي فضيلة النفس وصحتها فنقول:
[التهور والجبن]
إن سببهما ومبدأهما النفس الغضبية ولذلك صارت الثلاثة بأسرها من علائق الغضب. والغضب في الحقيقة هو حركة للنفس يحدث بها غليان دم القلب شهوة للإنتقام. فإذا كانت هذه الحركة عنيفة أججت نار الغضب وأضرمتها فاحتد غليان دم القلب وامتلأت الشرايين والدماغ دخانا مظلما مضطربا يسوء منه حال العقل ويضعف فعله ويصير مثل الإنسان عند ذلك على ما حكته الحكماء مثل كهف ملىء حريقا وأضرم نارا فاختنق فيه اللهيب والدخان وعلا التأجج والصوت المسمى وحي النار فيصعب علاجه ويتعذر إطفاؤه ويصير كل ما يدنيه للإطفاء سببا لزيادته ومادة لقوته.
فلذلك يعمى الإنسان عن الرشد ويصمعن الموعظة بل تصير المواعظ في تلك الحال سببا للزيادة في الغضب ومادة اللهب والتأجج وليس له في تلك الحال حيلة. وإنما يتفاوت الناس في ذلك بحسب المزاج حارا يابسا كان قريب الحال من حال الكبريت الذي إذا أدنيت منه الشرارة الضعيفة التهب، وإن كان بالضد فحاله بالضد وهذا في مبدأ أمره وعنفوان حركة الغضب به. فأما إذا احتدم فيكاد الحال يتقارب فيه وتصور ذلك من الحطب اليابس والرطب ومبدأ إشتعال النار بسرعة وشدة من الكبريت والنقط. ثم انحدر منهما