وهذا النوع من رداءة الخلق مشهور في كثير من الجهال يستعملونه في الثوب والزجاج والحديد وسائر الآلات، أماالملوك من هذه الطائفة فإنهم يغضبون على الهواء إذا هب مخالفا لهواهم وعلى القلم إذا لم يجر على رضاهم فيسبون ذاك ويكسرون هذا. وكان بعض من تقدم عهده من الملوك يغضب على البحر إذا تأخرت سفينة فيه لاضطرابه وحركة الأمواج حتى يهدهه بطرح الجبال فيه وطمّه بها. وكان بعض السفهاء في عصرنا بغضب على القمر ويسبه ويهجوه بشعر له مشهور. وذلك أنه كان يتأذى به إذا نام فيه.
وهذه الأفعال كلها قبيحة وبعضها مع قبحه مضحك يهزأ بصاحبه. فكيف يمدح بالرجولية والشدة وشرف النفس وعزتها وهي بالمذمة والفضيحة أولى منها بالمديح؟ وأي حظ لها في العزة والشدة ونحن نجدها في النساء أكثر منها في الرجال وفي المرضى أقوى منها في الأصحاء ونجد الصبيان أسرع غضبا وضجرا من الرجال.
والشيوخ أكثر من الشبان ونجد رذيلة الشره. فإن الشره إذا تعذر عليه ما يشتهيه غضب وشجر على من يهىء طعامه وشرابه من نسائه وأولاده وخدمه وسائر من يلابس أمره. والبخيل إذا فقد شيئا من ماله تسرع بالغضب على أصدقائه ومخالطيه وتوجهت تهمته إلى أهل الثقة من خدمه ومواليه. وهؤلاء الطبقة لا يحصلون من أخلاقهم إلا على فقد الصديق وعدم النصيح وعلى الذم السريع واللوم الوجيع.
وهذه حال لا تتم معها غبطة ولا سرور وصاحبها أبدا محزون كئيب متنغص بعيشه متبرم بأموره وهي حال الشقي المحروم.
أما الشجاع العزيز النفس فهوالذي يقهر بحلمه غضبه ويتمكن من التمييز والنظر فيما يدهم ولا يستفزه ما يرد عليه من المحركات لغضبه حتى يتورى وينظر كيف ينتقم ممن وعلى أي قدر.