على أنفسنا فينبغي أن نحترز منه بترك الذنوب والجنايات التي نخاف عواقبها ولا نقدم على أمر لا تؤمن غائلته فإن هذا فعل من نسى أن الممكن هو الذي يجوز أن يكون ويجوز أن لا يكون.
وذلك أنه إذا أتى ذنبا أو جنى جناية قدر في نفسه أنه يخفى ولا يظهر أو لا يخفى فيظهر إلا أنه يتجاوز عنه أولا تكون له غائلة. وكأنه يجعل طبيعة الممكن واجبا كما أن صاحب القسم الأول يجعل أيضا الممكن واجبا إلا أن هذا يأمن الجانب المحذور خاصة وأعني بهذا أن الممكن لما كان متوسطا بين الجانب الواجب والجانب الممتنع صار كالشيء الذي له جهتان إحداهما تلي الواجب والأخرى تلي الممتنع. ومثال ذلك خط اج ب فنقطة اهي الجانب الواجب. ونقطة ب هي الجانب الممتنع. وموضع ج هوالممكن وبعده من الجانبين بعد واحد. فله إلى نقطة (١) جهة. وله إلى نقطة (ب) جهة. فإذا صار مستقبله ماضيا بطل إسم الممكن عنه وحصل إما في جانب الواجب وأما في جانب الممتنع وليس يصح ما دام ممكنا أن يحسب لا من من هذا الجانب ولا من ذاك الجانب بل يعتقد فيه طبيعته الخاصة به وهو أنه يمكن أن يصير إلى ههنا أو إلى هناك. ولهذا قال الحكيم وجوه الأمور الممكنة في أعقابها. وأما الأمور الضرورية كالهرم وتوابعه فعلاج الخوف منه أن نعلم أن الإنسان إذا حب طول الحياة فقد أحب لا محالة الهرم واستشعره إستشعار ما لا بد منه. ومع الهرم يحدث نقصان الحرارة الغريزية والرطوبة الأصلية التابعة لها وغلبة ضديهما من البرد واليبس وضعف الأعضاء الأصلية كلها. ويتبع ذلك قلة الحركة وبطلان النشاط وضعف آلات الهضم وسقوط آلات الطحن ونقصان القوى المدبرة للحيا، أعني القوة الجاذبة والقوة الممسكة والهاضمة والدافعة وسائر ما يتبعها من مواد الحيابة.