كم يكون مقدار من يجتمع منهم في وقتنا فإنك تجدهم أكثر من عشرة آلاف ألف رجل وذلك أن بقيتهم الآن مع ما قدر فيهم من الموت والقتل الذريع أكثر من مائة ألف نسمة في جميع الأرض وأحسب لمن كان في ذلك العصر من الناس على بسيد الأرض مثل هذا الحساب فإنهم إذا تضاعفوا هذا التضاعف لم تضبطهم كثرة ولم تحصهم عددا. ثم امسح بسيط الأرض فإنه محدود معروف لتعلم أن الأرض حينئذ لا تسعهم قياما فكيف قعودا أومنصرفين ولا يبقى موضع عمارة يفضل عنهم ولا مكان رزاعة ولا مسير لأحد ولا حركة فضلا عن غيرها وهذه مدة يسيرة من الزمان فكيف إذا امتد الزمان وتضاعف الناس على هذه النسبة. فهذه حال من يتمنى الحياة الأبدية للبدن ويكره الموت ويظن أن ذلك ممكن أو مطموع فيه من الجهل والغباوة فإذا الحكمة البالغة والعدل المبسوط بالتدبير الإلهي هو الصواب الذي لا معدل عنه ولا محيص منه وهو غاية الجود الذي ليس وراءه غاية أخرى لطالب مستزيدا وراغب مستفيد. والخائف منه هو الخائف من عدل الباري وحكمته بل هو الخائف من وجوده وعطائه. فقد ظهر ظهورا حسيا أن الموت ليس بردىء كما يظنه جمهو الناس وإنما الردىء هو الخوف منه وأن الذي يخاف هو الجاهل به وبذاته. وقد ظهر أيضا فيما تقدم من قولنا أن حقيقة الموت هي مفارقة النفس البدن وهذه المفارقة ليست فسادا للنفس وإنما هي فساد المتركب. وأما جوهر النفس الذي هو ذات الإنسان ولبه وخلاصته فهو باق وليس بجسم فيلزم فيه ما لزم في الأجسام مما أوردناه قبيل. بل لا يلزمه شيء من أعراض الأجسام أي لا يتزاحف في المكان لإستغنائه عن المكان ولا يحرص على البقاء الزماني لاستغنائه