وأما الرواقيون فظنوا أ، الناس كلهم يخلقون أخيارا بالطبع ثم بعد ذلك يصيرون أشرارا بمجالسة أهل الشر والميل إلى الشهوات الرديئة التي لا تقمع بالتأديب فينهمك فيها ثم يتوصل إليها من كل وجه ولا يفكر في الحسن منها والقبيح. وقوم آخرون كانوا قبل هؤلاء ظنوا أن الناس خلقوا من الطينة السفلى وهي كدر العالم فهم لأجل ذلك أشرار بالطبع.
وإنما يصيرون أخيارا بالتأديب والتعليم إلا أن فيهم منهو في غاية الشر لا يصلحه التأديب وفيهم من ليس في غاية الشر فيمكن أن ينتقل من الشر إلى الخير بالتأديب من الصبا ثم بمجالسة الأخيار وأهل الفضل، فأما جالينوس فإنه رأى أن الناس فيهم من هو خير بالطبع وفيهم من هو شرير بالطبع وفيهم من هو متوسط بين هذين. ثم أفسد المذهبين الأولين اللذي ذكرناهما أما الأول فبأن قال أن كان كل الناس أخيارا بالطبع وإنما ينتقلون إلى الشر بالتعليم فالبضرورة إما أن يكون تعلمهم الشرور من أنفسهم وإما من غيرهم. فإن تعلموا من غيرهم فإن المعلمين الذين علموهم الشر أشرار بالطبع. فليس الناس إذا كلهم أخيارا بالطبع. وإن كانوا تعلموه من أنفسهم فإما أن يكون فيهم قوة يشتاقون بها إلى الشر فقط فهم إذاً أشرار بالطبع.