وذلك أن الغرض والكمال بالذات هما شيء واحد وإنما يختلفان بالإضافة فإذا نظر إليه وهوبعد في النفس ولم يخرج إلي الفعل فهو غرض فإذا خرج إلي الفعل وتم فهو كمال. وكذلك الحال في كل شيء لأن البيت إذا كان متصورا للباني وكان عالما بأجزائه وتركيبه وسائر أحواله كان غرضا. فإذا أخرجه إلي كماله ويصدر عنه فعله الخاص به إذا علم الموجودات كلها أي يعلم كلياتها وحدودها التي هي ذواتها لا أعراضها وخواصها التي تصيرها بلا نهاية.
فإنك إذا علمت كليات الموجودات فقد علمت جزئياتها بنحو مالان الجزئيات لاتخرج عن كلياتها فإذا كملت هذا الكمال فتممه بالفعل المنظوم ورتب القوى والملكات التي فيك ترتيبا علميا كما سبق علمك به. فإذا انتهيت إلى هذه الرتب فقد صرت عالما وحك واستحقيت أن تسمى عالما صغيرا لأن صور الموجودات كلها قد حصلت في ذاتك فصرت أنت هي بنحو ما. ثم نظمتها بأفعالك على نحو استطاعتك فصرت فيها خليفة لمولاك خالق الكل جلت عظمته فلم تخط فيها ولم تخرج عن نظامه الأول الحكمى فتصير حينئذ عالما تاما. والتام من الموجودات هو الدائم الوجد والدائم الوجود هو الباقي بقاء سرمديا فلا يفوتك حينئذ شيء من النعيم المقيم لأنك بهذا الكمال مستعد لقبول الفيض من المولى دائما أبدا وقد قربت منه القرب الذي لا يجوز أن يحول بينك وبينه حجاب. وهذه هي الرتبة العليا والسعادة القصوى. ولولا أن الشخص الواحد من أشخاص الناس يمكنه تحصيل هذه المنزلة في ذاته وتكميل صورته بها وإتمام نقصانه بالترقي إليها لكان سبيله سبيل أشخاص الحيوانات