ثم يحدث له الشوق إلى تمييز الأفعال الإنسانية خاصة أولا أولا حتى يصير إلى كماله في هذا التمييز فيسمى حينئذ عاقلا. وهذه القوى كثيرة وبعضها ضروري في وجود الأخرى إلى أن ينتهي إلى الغاية الأخيرة. وهي التي لا تراد لغاية أخرى وهو الخير المطلق الذي يتشوقه الإنسان من حيث هو إنسان. فأول ما يحدث فيه من هذه القوة الحياء وهو الخوف من ظهور شيء قبيح منه. ولذلك قلنا أول ما ينبغي أن يتفرس فيالصبي ويستدل به على عقله. الحياء فإنه يدل على أنه قد أحس بالقبيح ومع إحساسه به يحذره ويتجنبه ويخاف أن يظهر منه أو فيه. فإذا نظرت إلى الصبي فوجدته مستحيينا مطرقا بطرفه إلى الأرض غير وقاح الوجه ولا محدق اليك فهو أول دليل نجابته والشاهد لك على أن نفسه قد أحست بالجميل والقبيح. وأن حياءه هو انحصار نفسه خوفا من قبيح يظهر منه وهذا ليس بشيء أكثر من إيثار الجميل والهرب من القبيح بالتمييز والعقل. وهذه النفس مستعدة للتأديب صالحة للعناية لا يجب أن تهمل ولا تترك ومخالطة الأضداد الذين يفسدون بالمقارنة والمداخلة. وإن كانت بهذه الحال من الإستعداد لقبول الفضيلة فإن نفس الصبي ساذجة لم تنتقش بعد بصرة وليس لها رأي ولا عزيمة تميلها من شيء إلى شيء فإذا نقشت بصورة وقبلتها نشأ عليها وأعتادها. فالأولى بمثل هذه النفس أن تنبه أبدا على حب الكرامة ولا سيما ما يحصل له منها بالدين دون المال وبلزوم سننه ووظائفه. ثم يمدح الأخيار عنده ويمدح هو في نفسه إذا ظهر شيء جميل منه ويخوف من المذمة على أدنى قبيح يظهر منه