حتى إذا ظفر بهذه المرتبة على الكمال انتقل إلى العالم العلوي وأقام فيه دائما سرمدا في صحبة الملائكة والأرواح الطيبة وينبغي أن يفهم من قولنا العالم السفلي والعالم االعلوي ما ذكرناه فيما تقدم. فإنا قد قلنا هناك أنا لسنا نعني بالعلوي المكان العلى في الحس ولا بالعالم السفلي المكان الأسفل في الحس بل كل محسوس فهو أسفل وإنكان محسوسا في المكان الأعلى. وكل معقول فيهو أعلى وإن كان معقولا في المكان الأسفل وينبغي أن يعلم أنه لا يحتاج في صحة الأرواح الطيبة المستغنية عن الأبدان إلى شيء من السعادات البدنية التي ذكرناها سوى سعادة النفس فقط أعني المعقولات الأبدية التي هي الحكمة فقط. فإذا ما دام الإنسان إنسانا فلا تتم له السعادة إلا بتحصيل الحالين جميعا وليس يحصلان على التمام إلا بالأشياء النافعة في الوصول إلى الحكمة الأبدية. فالسعيد إذا من الناس يكون في إحدى مرتبتين. إما في مرتبة الأشياء الجسمانية متعلقا بأحوالها السفلى سعيدا بها وهو مع ذلك يطالع الأمور الشريفة باحثا عنها مشتقا إليها متحركا نحوها مغتبطا بها. وإما أن يكون في رتبة الأشياء الروحانية متعلقا بأحوالها العليا سعيدا بها وهو مع ذلك يطالع الأمور البدنية معتبرا بها ناظرا في علامات القدرة الإلهية ودلالل الحكمة البالغة مقتديا بها ناظما لها مفيضا للخيرات عليها سابقا لها نحو الأفضل، فالأفضل بحسب قبولها وعلى نحو استطاعتها. وأي امرىء لم يحصل في إحدى هاتين المنزلتين فهو في رتبة الأنعام بل هو أضل. وإنما صار أضل لأن تلك غير معرضة لهذه الخيرات ولا أعطيت استطاعة تتحرك بها نحو هذه المراتب العالية.