قال: إذا كانت الأفعال هي ملاك السيرة كما قلنا فليس يكون أحد من السعداء شقيا لأنه ليس يفعل في وقت من الأوقات أفعالا مرذولة. فإذا كان هكذا فالسعيد أبدا يكون مغبوطا وإن حلت به المصائب التي حلت ببرنامس ولا يكون أيضا شقيا ولا سريع التنقل من ذلك لأنه ليس ينتقل عن السعادة بسهولة ولا تنقله عنها الأوقات اليسيرة بل لا تنقله عنها الآفات العظيمة الكثيرة وليس يكون سعيدا إذا نالته هذه الأمور زمانا يسيرا بل إذا ظفر بأمور جميلة في زمان طويل. ثم قال بعد قليل: وأما حال الإنسان بعد موته فالقول بأن الآفات التي تعرض لأولاد الميت وأصدقائه بأجمعهم ليست تتعلق به أصلا مضاد لما يعتقده جميع الناس. وإذا كانت الأمور العارضة لهؤلاء كثيرة متيقنة وكان بعضها يتعدى إلى الميت أكثر وبعضها أقل صارت قسمتنا إياها إلى الأشياء الجزئية بلا نهاية.
وأما إذا قيل قولا كليا وعلى طريق الرسم فخليق أن نكتفي بما نقوله فيها وهو أنه كما أن الآفات التي تعرض للميت في حياته بعضها يثقل عليه إحتماله ويثلم في سيرته وبعضها يخف عليه احتماله كذلك يكون حاله فيما يعرض لأولاده وأصدقائه وكل واحد من العوارض التي تعرض للأحياء مخالف لما يعرض لهم إذا ماتوا أكثر من مخالفة كل ما يضرب به المثل ويشبه إن كان يصل إليهم من هذه الأشياء شيء خيرا كان أو شرا أن يكون يسيرا نزرا بمقدار ما لا يجعل غير السعيد سعيدا ولا ينتزع السعادة من السعداء. هذا حل أرسطوطاليس للشك الذي أورده.