ومارسوا الخيانة بمثل الجرأة التي يمارسونها بها الأمانة، ومارسوا قسوة القلب بمثل الجرأة التي يمارسون بها الشفقة والرمة، ومارسوا الكذب الضار بمثل الجرأة التي يمارسون بها الصدق النافع، أفيغير ذلك واقع حال الرذائل فيجعلها من قبيل الفضائل؟!.
كم نشاهد من شعوب تألف القذارات، وتعيش فيها، ولا تشعر بأنها تعمل عملاً غير مستحسن أو غير جميل، فهل تغير مفاهيمهم من واقع حال القذارة القبيح شيئاً؟!.
إن فساد مفاهيم الناس حول حقيقة من حقائق المعرفة لا يغير من واقع حال هذه الحقيقة شيئاً، وجميع حقائق المعرفة تتعرض لمشكلة فساد مفاهيم الناس عنها، وفساد تصور الناس لها.
ويوجد سبب آخر للخطأ الذي يقع فيه الباحثون في علم الأخلاق، هو اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق، ونسبوا إلى هذا المقياس العصمة عن الخطأ مع أنه مقياس غير كافٍ وحده، فقد يخطئ، وقد يُصابُ عند بعض الناس بعلةٍ من العلل المرَضِيَّة، فيعشى أو يعمى، أو تختلُّ عنده الرؤية، فيصدّر أحكاماً فاسدة.
* * *
تلخيص لأسباب الغلط أو المغالطة:
مما سبق يتضح أن أسباب الغلط أو المغالطة عند القائلين بأن الأخلاق اعتبارية أو نسبية، وليس لها ثبات ولا قيمٌ حقيقية مطلقة، ترجع إلى ثلاثة أمور:
الأمر الأول: تعميم اسم الأخلاق على أنواع كثيرة من السلوك الإنساني، فلم يميّزوا الظواهر الخلقية، عن الظواهر الجمالية والأدبية، وعن العادات والتقاليد الاجتماعية، وعن التعاليم والأحكام المدنية أو الدينية البحتة، فحشروا مفردات كل هذه الأمور تحت عنوان الأخلاق، فأفضى