للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلها من الأمور الاعتبارية، التي أوجدتها الوقائع الحربية، أو المناورات السياسية؟.

٢- ما الفرق بين الأمم المختلفة؟. أم تنحدر كلُّها من أصل واحد؟.

أفلا يجدر بالإنسان -والحالة هذه- أن يسمو بأفكاره وعواطفه فوق الأوطان وفوق الأمم؟.

فليعتبر الأرض كلها "وطناً". وليعتبر البشر كلهم "مواطنين".

لقد مرّ في تاريخ البشرية عهود طويلة كانت فيها الرابطة الوطنية ضيّقة محدودة، لا يتعدى نطاقها أسوار بعض المدن، وكانت فيها الرابطة القومية محدودة المدى، لا يتجاوز تأثيرها حلقات بعض القبائل.

ثمّ شهد التاريخ "العهد" الذي ارتفعت فيه الحدود من بين المدن التي كانت متخالفة، وانتفت فيه الضغائن من بين القبائل التي كانت متعادية، فتوسعت فيه فكرة الوطنية، وفكرة القومية، إلى ما وراء حدود، ونطاق القبائل.

إن سلسلة التطوّرات التي حدثت بهذه الصورة إلى الآن تدل على أن هذا التوسع سيستمر على الدوام، وسيأتي يومٌ تندمج فيه الأوطان المختلفة، فتغدو وطناً واحداً، إلى أن يصبح العالم كله هو "الوطن المشترك" لكل الناس، وتمتزج فيه الأمم المختلفة ببعضها إلى أن تصبح "الإنسانية" بمثابة "القومية المشتركة" بين جميع الناس.

وستزول النزعة "الوطنية" والنزعة "القومية" التي نعرفها الآن، بتقدّم البشر، وتسامي العواطف، وستترك محلّها إلى عاطفة إنسانية، وأخوّة شاملة.

فيجدر بالمفكرين أن يسبقوا سائر الناس، في استقبال هذا الطور الجديد، فيسموا بأنفسهم من الآن فوق الوطنيات الخاصة والقوميات، ويعملوا للإسراع بحلول عهد الإنسانية الحقّة.

<<  <   >  >>