إن قيمة "الإنسانية" في تكوين الأمة الواحدة، كقيمة اشتراط نبات الأرض، لإعداد الغذاء الصالح للإنسان.
فهل كل نبات نجده في الأرض، نأخذه ونضعه في طبخة لغذائنا؟ ألا يمكن أن يكون ساماً قاتلاً، أو مراً لا يستساغ، أو حارّاً يلهب الأمعاء ويقرحها؟.
"الإنسانية" هي المادة الطبيعية الأولى، التي يؤخذ منها الصالح لتكوين الأمة المنشودة. فالأمة من الناس إنما تتكون من أفراد اشتركوا في العنصر الإنساني أولاً، فلا مكان فيها لجنٍّ، أو خيلٍ، أو بغال، أو حمير، أو قطعان من النعم، أو الوحوش، أو أسراب من الطير.
كذلك نقول: إن المادة الطبيعية الأولى لبناء قصر عظيم، هي العناصر الصلبة المستخرجة من الأرض، ومع ذلك فإنه لا يصلح كل حجر ومدر وكدر ورمل من الأرض لإقامة هذا القصر العظيم، حتى تتحقق في العنصر الصلب المأخوذ من الأرض الشروط اللازمة، التي تجعله صالحاً ليملأ مكاناً مناسباً له في بنائه.
هكذا لا يصلح أي إنسان لتكوين الأمة المنشودة، ما لم تتحقّق فيه الشروط اللازمة لتكوينها.
وإلا ظهر الوهن والضعف، أو التنافر وعدم التلاؤم، ثمّ ظهر التصدع، ثمّ وقع الانهيار.
إن جماعة صغيرة من الناس، في موقع صغير من الأرض، لا يمكن أن يتعايشوا مدة من الزمن متلائمين متفاهمين متآخين، ما لم يتحقق في معظمهم شروط التلاؤم والتفاهم والتآخي.
وأي تباين فكري بينهم له آثار في السلوك، سيمزق جماعتهم، ويفرقهم حتماً، وقد يثير بينهم الخصام والعداء فالتقاتل، وأي تنافر عاطفيّ بينهم سيمزق جماعتهم ويفرّقهم حتماً. وكذلك أسلوب العيش المتباين بين أفرادهم هو من أسباب تمزيق جماعتهم. كذلك تعارض المصالح وتنازع