المنافع فيما بينهم من أسباب تمزيق جماعتهم، وعدم ثباتها.
فقضية وحدة الجماعة من الناس، أو وحدة الأمة من البشر، تكتفي برباط ضعيف واحد، أو برباطين ضعيفين، حتى تكون صالحة للدوام والاستمرار، ولا تكون عرضة للتنافر والانقسام والانهيار.
فالإنسان ليس كائناً لا يملك في ذاته إلا مقوماً واحداً، حتى يكفيه رابط واحد لهذا المقوم، وليس بهيمة حتى يكفي لجرّه مقود واحد، حتى البهيمة فإنه يجب أن يكون مقودها في رأسها أو عنقها، لا في ذيلها أو بعض شعرات من بدنها.
إن الإنسان فكر، وقلب، ووجدان، ونفس، وأهواء، وشهوات، وغرائز، ومصالح، وحاجات. والأمة المثالية هي التي يرتبط بها من كل هذه الأركان والعناصر، أو من معظمها، أو من أخطرها وأهمها وأدخلها في كيانه العميق، جُملةُ روابط، فهي تنتظمها جميعاً.
أما رابط "الإنسانية" وحده، فهو أضعف الروابط وأهونها لديه، مع أنه شرط أولي، لكنه ليس شرطاً كافياً، ودونه بمرتبة واحدة رابط "الحيوانية" بين الأحياء، ومعلوم أن رابط "الحيوانية" الأعم من رابط "الإنسانية" لا يصلح لإقامة "الأمة الحيوانية" ذات النزعة "العالمية" الأشمل.
إن "الإنسانية" هي المادة الأساسية العامة، التي يُنتقى من أفرادها من تتوافر فيهم شروط الأمة التي يراد بناؤها بناءً متماسكاً متلائماً قوياً وثابتاً.
ومن الجهل بطبائع الأشياء، والغباء المطلق، الاكتفاء بمجرّد الاشتراك في "الإنسانية" أو في "الوطن" أو في "القوم" لتكوين أمة يراد لها الثبات والدوام والتعاون والتآخي والتواد، والاشتراك في بناء حضارة صحيحة، وتحقيق عيش سعيد بين أفرادها، رغم التباين والتناقض والتنافر بين أفرادها، في أفكارهم وعقائدهم ومذاهبهم ومصالحهم وأهوائهم ومناهج سلوكهم.
فالدعوة إلى إقامة "الأمة الإنسانية" أو "الأمة العالمية" على زعم