فهل هذا مقبول من وجهة نظر الآخذين بآراء "مكيافيلي" من الرأسماليين والديمقراطيين؟
إذا كان الأول غير مقبول أخلاقياً لدى الشيوعيين والاشتراكيين، وكان الثاني غير مقبول أخلاقياً لدى الرأسماليين والديمقراطيين، مع أن الأول والثاني كليهما يمكن تبريرهما بأن الغاية تبرر الوسيلة، وفق مذهب "مكيافيلي" المتبع لدى المذهبين المتناقضين في العالم: "الرأسمالية وديمقراطيتها - والشيوعية وديكتاتوريتها".
فإن الحكم المنطقي يقضي بداهة بأن كلاً من الرأسماليين المكيافيليين، والشيوعيين المكيافيليين متناقضون مع أنفسهم.
وذلك لأن الرذائل الخلقية التي تقتضيها المكيافيلية مقبولة عند كل من الفريقين ومرفوضة معاً.
إنها مقبولة إذا كانوا يمارسونها هم ضد غيرهم، ومرفوضة إذا كان غيرهم يمارسها ضدهم. وهذا تناقض منطقي بدهي، لا يلتزم به من يحاكم الأمور بعقله، ولكن يكابر فيه من يحاكم الأمور بأهوائه وشهواته ومصالحه الخاصة، كلما كان له هوى أو شهوة أو مصلحة، لا تقام عليها حجج علمية ضد الآخرين الذين لهم أيضاً أهواء أو شهوات أو مصالح خاصة تقف في الطرف المقابل.
ويكفي هذا التناقض مع الذات لإسقاط "المكيافيلية". إذِ التناقض في أي مذهب، أو أيَّة فكرة، هو من أقوى البراهين لإبطال المذهب أو الفكرة ونقضهما.
الكاشف الثالث: يتساءل كل من له عقل، بل كل من لديه مقدار يسير منه، عن التفسير المنطقي لهذا الرأي المنحرف الذي يُعبّر عنه بأن الغاية تبرّر الوسيلة، والذي لا يستطيع إنسان في الدنيا أن يقبله على إطلاقه، مهما بلغت به الجريمة، ومهما بلغ به الشذوذ الفكري والنفسي.
من المعروف في الحياة أن لكل إنسان، ولكل مجموعة بشرية،