مطالب نفسية، وحاجات جسدية، وأنه لا بد لتحقيق أي مطلب من مطالب النفس، وأية حاجة من حاجات الجسد، من اتخاذ وسيلة إلى ذلك.
فهل يصح في عقل أي إنسان عاقل اتخاذ أي وسيلة في الدنيا، مهما كان شأنها عظيماً، لأية حاجة مهما كان شأنها حقيراً تافهاً؟
وحينما يروج صغار العقول أو المجرمون آراء "مكيافيلي" هذه التي تقول: "إن الغاية تبرر الوسيلة، ويدعون هذا الكلام يسير على إطلاقه دون قيود المنطق السليم، والحق الثابت، والفضيلة المثلى، فإنهم لا بد أن يتصرفوا في حياتهم تصرف المجانين، أو يكونوا شياطين مجرمين، يخادعون الناس بهذه الآراء التي يطلقون عليها زوراً وتزييفاً اسم "نظرية" ليفعلوا كل جريمة، دون أن يسميهم الناس مجرمين.
لقد ستروا أنفسهم المجرمة بطلاء مما أسموه "نظرية مكيافيلي".
وفي محاكمة هذا الكلام الفاسد، إذا أخذ على إطلاقه، لا بد أن نضع على سبيل التطبيق الفلسفي مجموعة من مطالب النفس، وحاجات الجسد، ونفرض أنها غايات، ثمّ نضع في مقابل ذلك مجموعة مما يمكن أن يكون وسائل لهذه الغايات، ونفرض أنها وسائل.
إنه من البدهي عند ذلك أن تبدوَ لنا أمثلة تطبيقية غريبة ومضحكة جداً، أخف منها ما يجري داخل مستشفيات الأمراض العقلية.
إنه يلزم من تعميم الفكرة المكيافيلية، أن لا يكون من المستغرب أن يحرق المكيافيلي مجموعة من أوراق النقد ذات الأرقام العالية، والقيمة الكبيرة، ليُغلي عليها ما يصلح فيه كأساً من الشاي، أو فنجاناً من القهوة، فغايته التي هي شرب الشاي أو القهوة، تبرر له وسيلة إحراق الأوراق النقدية الكبيرة، وخسارة الألوف، مقابل شراب لا يساوي بضعة فلوس.
ويلزم من هذا المذهب أن لا يرى المكيافيليون مانعاً من إلقاء مخطوطات علمية عظيمة نادرة، في نهر كبير، لتكون بمثابة جسر مؤقت تعبُر عليه جيوش الغزاة.