وليس من المهم بعد ذلك أن تخسر الإنسانية ذخائر المنجزات العلمية والفكرية الحضارية، التي خلفتها القرون الأولى، فالغاية تبرر الوسيلة.
وأن لا يروا مانعاً من تجويع الألوف من البشر، وسرقة خيراتهم، ليستمتع مجرم واحد بمظاهر الترف والرفاهية، فالغاية تبرر الوسيلة.
وأن لا يروا مانعاً من أن يقطع إنسان يد آخر، ليجعل من عظم ساعدها عصاً لمكنسته. وأن يسلخ جلد إنسانٍ حي ليصنع منه طبلاً أو دُقَّاً، يتسلى بالنقر عليه في جلسات السمر. وأن يحرق مدينة كاملة ليتمتع بمشاهدة لهيب نارٍ عظمى عن بعد، ثمّ يدين بها برآء ويعاقبهم بهذه الجريمة النكراء، كما فعل "نيرون" إمبراطور روما. وأن يقذف إلى حلبة المصارعة وحشاً ضارياً جائعاً، وإنساناً بريئاً ليتمتع بمشاهدة ظفر الغالب منهما ومصرع المغلوب، وقد مارست روما في أوج سلطان إمبراطوريتها من ذلك الشيء الكثير.
كل هذا ونظائره ينبغي أن يكون مقبولاً لدى "المكيافيليين" لأن الغاية تبرر الوسيلة.
أليست هذه الأعمال الجنونية أو الإجرامية وسائل لغايات؟ فإذا كانت الغايات مطلقاً تبرر أية وسيلة دون قيدٍ أو شرط، فما أجدر المكيافيلي الذي يأخذ بهذه الفكرة الفاسدة، أن ينحدر إلى أخس مرتبة يمكن أن تُتصوّر في الوجود، ويُردّ إلى أسفل سافلين.
وينبغي عندئذٍ أن يخلع الثوب الإنساني الذي فضّله الخالق به، ويلبس ثوب أخسّ الأحياء شراسة ودناءة.
(٤)
المكيافيليّة اليهودية
إذا كانت المكافيلية العامة تقول:"إن الغاية تبرّر الوسيلة" في شؤون